الخميس، 3 أكتوبر 2013

كيف تُكتب القصًّة القصيرة؟



ماهي القصة القصيرة أولا ؟...

تعرفها الكاتبة الأمريكيّة الشهيرة ( كاترين آن بوتر ) بأنها تلك التي تقدم فكرة في المقام الأول ...ثمَّ وجهة نظر..... ومعلومة ما عن الطبيعة البشرية بحس عميق ..... وبأسلوب أدبي مكثف ....

طبعا أهم مايحددها ( أي القصة القصيرة ) هي القصة نفسها ......وهذه القصة تكون عادة مختبئة داخل عقل الكاتب في مكان ما من الذاكرة .... وهو يخرجها من مكانها ليصوغها ويقدمها للقراء على شكل قصة مثيرة للإهتمام ...وليست مجرد حدث عادي ... ....

ما من شيء يحدث في حياة الإنسان إلا ويصلح أن يكون قصة ....هذا ماقاله سومرست موم ذات مرة .....

إذن فالمادة القصصية تكمن بداخل الكاتب وهي تمثل بعضا من تجاربه الخاصة وعلاقاته بالناس وبالأشياء.....وملاحظاته العديدة التي يخزِّنها في نفسه لوقت الحاجة .... فقط هي تحتاج إلى الموهبة التي تجعل منها عملا فنيا له قيمته ....

لنتغاضى عن فكرة البعض في أن القصة القصيرة هي أصعب من كتابة الرواية بسب ضيق المساحة المعطاة للكاتب ...ومطالبتنا له بأن يضغط أفكاره ومشاعره ...ويرسم شخصياته ... ويقول كل مايريد قوله بأقل عدد من الكلمات ...

ولنناقش مسائل أخرى مهمة لنا...

بطبيعة الحال لن نتحدث هنا عن عدد الكلمات التي على الكاتب استخدامها ...ولاكيف سيستخدمها ....
ولن نرسم خطوطا يسير عليها كل من يريد كتابة قصة قصيرة مؤثرة......

ولن نضع مقادير ومكونات لمايجب أن تكون عليه القصة القصيرة .. ....

سنقول فقط أن على من يريد أن يكتب قصة أن لايكتب إلا عن مايشعر أنه قادرٌ على التعبير عنه بيسر ..و يجيد الكتابة فيه بتمكن ... ويحسُّ أنَّه بصفة خاصة مفتون به بشكل كبير .......
كلمة افتتان هنا مهمَّة ... فهي بعينها الكلمة التي استخدمها عالم النفس الشهير كارل يونج حين قال : ( إن الإفتتان هو المفتاح ... فحين تجد نفسك مفتونا تماما بشيء ما ، فباستطاعتك إذا كنت مسيطرا على المباديء الأساسية أن تستخدمه في توسيع موهبتك وتجويد ابداعك ).

ولكن انتبهوا هذا الإفتتان لايجب أن يتركَّز على ماهو عادي وواضح ولايحتاج إلى شرح ...بل يجب أن يتركَّز على ماهو غريب ومثير للإهتمام ....
وعلى الكاتب بصورة خاصة ملاحظة أن عليه مهمة توصيل هذا الإفتتان المثير إلى المتلقِّي الذي سيقرأ القصة... ليجعله يشعر بنفس شعوره حين كتبها .
هذا يعني الإستغراق التام في العمل القصصي ...الإندماج فيه ...التمتع بكل تفاصيله .....
وهذا هو بالضبط ماعناه الرسام (روبرت هنري ) حين أبدى ملاحظته تلك حول الإرتباط بين الفنان وعمله ....فهو ينصح تلاميذه بقوله ( أنه لكي يكون الفنان ممتعا للآخرين لابد أن يكون في البداية ممتعاً لنفسه ، وأن يكون قادرا على الشعور المكثَّف ، والتأمل العميق ) ....

هذه هي أهم النقاط التي يجب على الكاتب الإرتكاز عليها من أجل كتابة قصة مميزة ومثيرة للإهتمام ....وجديرة بمسمى قصة قصيرة ...

ماذا تبقى ؟....

تذكرت ... البداية ..والحبكة.. والنهاية... والشخصيَّة ... والأسلوب القصصي المكثف الذي يعتمد على الجمل القصيرة واختيار الكلمات المناسبة التي تؤدي المعنى دون تطويل.......وطبعا الزمن القصصي ....فهو الأهم لدينا ..
وهذا يعني أن يكون هناك زمن محدد للحدث أوالموقف ...دقائق...ساعات ...يوم مثلا ...أو ليلة كاملة ....تستطيع أن تجعلها يوما وليلة معا ...

ولكن .....

لاداعي لتمطيط الزمن .... حتى لاتتحول القصة إلى شيء آخر ....

وماذا بعد ..؟.......

لا لن نتدخل في الحدث أو الموقف أو اللحظة التي سيرتكز عليها العمل القصصي .....هذا متروك لموهبة كاتب القصَّة ...ولدوافعه الشخصيَّة ....

وسنكمل في موضوع آخر كل مايتعلق بالقصة القصيرة من متطلبات وتقنيات فنيّة ....
...............................................................


بما أنَّ الجويبدو مهيأً لمتابعة بقية الأفكار ....بسبب التحمس والإهتمام الذي أبداه البعض مشكورين .... ..... لذا فإنني سأخطف جزءا من وقتي الضيِّق في هذه الأيام لتوضيح بعض الأفكار المهمة في موضوعناهذا عن "القصَّة القصيرة " ....
نقَّـاد القصة القصيرة يقسمونها إلى مراحل ...هي : البداية ـ الحبكة ـ النهاية ....
وسأستخدم هذا التقسيم هنا فقط من أجل تسهيل مهمة التركيز على كل قسم على حدة ... مع المرور على بقية العناصر التي تحتاجها القصة القصيرة من شخصيات وزمن وأحداث ....وغير ذلك بطريقة سريعة .

نبدأ الآن بمراحل القصة القصيرة أو تقسيماتها الأساسيَّة :
المرحلة الأولى : البداية : تقول الشاعرة ماريان مور : ( أنا حريصة جدا على الأسطر الأولى ..أكتبها ، أنتقدها ، أقيِّمها لأن أي شاعرٍ أو كاتبٍ للقصة القصيرة يعرف بأنَّ من هذه الأسطر الأولى سينبثقُ خياله ويفيض بالعمل الإبداعي التام ).

إذن فلنعلى من شأن البداية ... فهي الوسيلة التي تشدُّ انتباه القاريء وتجبره على متابعة القصة ..
ولكي نفعل ذلك علينا أن تركِّز النظر على مانكتبه ....

.
يقول الرسام روبرت هنري وهو يتحدث عن فن الرسم " غض النظر عن كل ماليس له صلة وثيقة بلوحتك " .... ينطبق الأمر على القصَّة ...والقصد هونبذ الإهتمام بأي شيء غير مباشر ولايتعلق بالقصَّة : كلمات لاقيمة لها .... شخصيات فائضة وغير ذات أهميَّة ...ملاحظات جانبية ...أي شيء آخر لايخدم الحدث والفكرة العامة ....

التركيز كله الآن يكون على الجمل التي تبدأ بها القصَّة .......

يقول تشيخوف : " في افتتاحياتنا للقصص نحن في الأرجح نكذب " ....

لابأس بهذا النوع من الكذب المستحبُّ ..إذا كان سينتج عنه عمل جميلٌ ومؤثر ..

أول الجمل له أهمية كبرى في العمل القصصي ...إنه فرصتنا لشد انتباه القاريء وإقناعه بأنَّ لدينا مانقوله ...

نصيحة مهمة للكاتب وهي أن لايتحدث عن قصته قبل كتابتها ...إن حدث ذلك ...فلن تكتب القصة الفعليّة ...

وتحذير أهم ...وهو عدم كتابة قصة ليست لك ...أي قصة حكاها لك شخصٌ آخر ... فهي لن تعبِّر عنك ولن يقتنع بها من تكتبها لهم ....

ابدأ قصتك بالكثير من التصميم ... وتذكر أن الأقل قد يعطي الأكثر.... الكثافة ميزة في القصة القصيرة ...

هاقد فرَّغت نفسك تماما للعمل ....ووضعت جملك الأولى المثيرة للإنتباه .. وشحنتها بكل ماتريد من مشاعر أو أفكار.....وكثفتها إلى أقصى حد ... ....
وبالتأكيد فإنَّ جذور القصة التي تريد كتابتها موجودة في مخيَّلتك ....ولديك سبب قويٌّ لتكتب عن أحداثٍ وشخصيات معيَّنة ... لذا فمادمت تجاوزت نقطة البداية فإنَّ عليك أن تضع اهتمامك الكلي على الإتجاه العام للحدث .. ..
لاتقلد أحدا ... سر متتبعا خطواتك الخاصة ...وابتعد عن التكلف ... التلقائية سمة جميلة في القصة القصيرة ....وهي تحمل مشاعرك بسهولة إلى القاريء ...
وسيكون الأمر كله سهلا ...وممتعا لك ولقرائك أيضا .

والباقي فيما بعد...... ....

لكم جميعا كل الود والتقدير
.....................................

الجزء 3
.............
سبق أن ذكرت أن َّ القصة القصيرة تتكون من بداية وحبكة ونهــاية ....
فماهي الحبكة أصلا ...؟...
إنها شيء يشبه العصب الذي يجري بطول يرقة الحشرة ، يوجه حركتها وتقدمها نحو هدفها ...كما تصفها هالي بيرنت كاتبة القصة الشهيرة ومؤلفة كتاب ( كتابة القصة القصيرة ) ...
الحبكة في القصة القصيرة تتنوع بتنوع أشكالها ... وهي تتحدد حسب الجو الذي تكتب فيه القصة ..
وفي الواقع فإنَّ ترتيب أجزاء والإبداع والخيال هو مايكوِّن الحبكة .. وموهبة الكاتب تظهر في تخطي المعنى الظاهري للحدث لتستخلص منه المعنى الأعمق ..فالحبكة تختلف عن الخبر أو التحقيق الصحفي في أنها تأخذ الحدث لتضيف عليه من الخيال وممايختبيء في الذاكرة من تفاصيل متفرقة مايكسوه ثوبا جديدا مختلفا عن واقع الحال ... .. باقتدار ودون افتعال أو مبالغة.
في القصة القصيرة لايحتاج الكاتب لملاحقة نمو الشخصيات وتطورها .... وليس مطالب بتتبع ماحدث لها في الماضي ...أومايحيط بها من ظروف ومشاكل في الوقت الآني ...... كما أنَّه لن يكون معنياً بكل الأحداث الكثيرة والثانوية التي يخلقها موقف ما .....أو حدثٌ معيَّن
التركيز كله يكون على شريحة مقتطعة من سياق كامل .... أوأخذ لقطة درامية من نمو الشخصيّـة والعمل عليها بمهارة ...
ورغم ذلك .... ورغم قصر الموقف أو اللحظة الدرامية .. فالحبكة موجودة بفضل خيال الكاتب وموهبته ...ومايضيفه من تجاربه الخاصة ومشاعره المتيقِّظة..

لنا أن نتساءل : مالذي يجعل من الحبكة حبكةً جيدة ؟...

والإجابة ستكون إنه التماسك الداخلي والمنطق النابع من الحالة نفسها ....ووجهة النظر تلك التي يتبعها الكاتب وهو يقترب من الحدث أو الموقف الدرامي ... فلا يصح أن تختلط الأمور لدى الكاتب ...
محاولة إثارة مشاعر الحزن داخل موقف كوميدي عملية صعبة لايجيدها إلا كاتب متمكن ..كذلك إظهار الإجلال والتقدير لشخصيات مثيرة للمرح ... سيخلق ارتباكا لدى القاريء ...
وعلى كلٍ فإنَّ ( الحبكة هي التي تحدد الجو الذي تكتب فيه القصة وليس العكس )..كما يقول الكوميدي الكبير " ب . جي .وودهاوس "
ونأتي إلى ماسيشغل بال البعض ...وهو كيف ومن أين تأتي الأحداث التي تُبني عليها القصص ...؟؟ .. ...
الأمر لا يحتاج إلا إلى الكثير من التأمل لمانراه حولنا من أحداث بعناية واستيعاب .. ....
طبعا ليس كل متأملٍ للأحداث والمواقف المختلفة هو كاتب بالضرورة ... ..
(
لابد للكاتب أن يجلس إلى نفسه ويتمعن في نشاطات خياله الخاص ، ليلعب اللعبة حسب قواعد الخيال )....... هذا ماتقوله الكاتبة اليزابيث بووين موضحة الفكرةالمقصودة ..
كتابة القصة لابد أن تكون الذروة لكل التجارب والعواطف التي مرت بنا والأفراد الذين عرفناهم في مراحل مختلفةمن الحياة .
إنه ذلك الإختزان الخلاق والمنتج لكل مامر بنا وعشناه وشاهدناه .... ثمَّ كيفية إخراجه في للحظة المناسبة .
وكما يقول تولستوي : ( إنَّ الكاتب الجيِّد هو الذي يستطيع أن يكتب قصَّةً كاملة من شجارٍ عابر رآه في الشارع )...
...........
..................

من المفروض أن يكون هذا الموضوع عن كيفية وضع النهاية في القصة القصيرة ..
ولكنني لم أستطع أن أختم الموضوع بوضع النهاية دون المرور على الشخصيات التي هي الأساس في العمل القصصي ككل ... والتي تخلق المواقف المختلفة في كل قصة ...بكل صراعاتها واختلافاتها ومفاجآتها ...

كيف ومن أين يحضر كتاب القصة شخصياتهم القصصية ؟...

هذا سؤال مهم ...

يقول " وت بيرنت " للكتاب الشباب : ابدأ بملأ خزان أفكارك بكلِّ مايمكنك أن تجمعه من شخصيّضت في حياتك ، لتستخدمها في المستقبل ، وحين يمتليء الخزان ، افتح البوابات ودع الفيضان يسيل لما أنت على استعدادٍ له ، وحين تفعل ، افعله بجرأة "
نعم بكل ماتملك من جرأة ...فهذا ماتحتاجه لكتابة قصّة جيدة ...
لاتنسى أنَّ القصة القصيرة لاتحتاج إلا إلى شخصيَّة واحدة يتم التركيز عليها بعناية
الشخصيات ستكون موجودة في خيالك ..أو بالجوار ...أناسٌ تعرفهم منذ زمن ..أو قابلتهم فرسخ شيء من قَسماتهم أو سماتهم في ذهنك .....وقد لايكون للشخصيَّة وجود إلا في خيالك ...
ليس من الضروري أن تحمل الشخصية الحقيقيَّة كماهي إلى قصتك .... زيِّنها بماتريد من صفات وملامح من خيالك ...ولكن دعها تحتفظ بنفس مواصفات الشخصيَّة ...أي اجعلها تبدو شخصيَّة إنسانيَّة حقيقيَّة مهما أضفت إليها من تغييرات خارجيَّة أو داخليَّة ..
قد تكون للشخصيَّة الخياليَّة التي تخترعها نقطة تقاطع مع شخصيَّة حقيقيَّة تعرفها.. أو قريبة منك
لاتنسى أنَّ الشخصيَّة تحتاج إلى أن تنمو حسب الدور الذي وضعتها فيه ..
تقول كاترين آن بورتر : " سرْ بصحبة شخصيَّاتك كأنَّك تراها بعيْن خيالك تعيش وتتطور كأنها تعيش في الواقع ، ثمَّ احك قصتها بكلِّ الصدق والتعاطف والجديَّة قدر ماتستطيع "
هناك أمرٌ مهم يتعلق بأسماء الشخصيَّـات ...عن ذلك كتب أندريه مور يقول : " إنَّ الحياة تبدأ بالأسماء "..
اعمل على تسمية الشخصيَّة بالإسم الذي يناسبها من حيث بيئتها وخلفيتها.. ومكان وجودها ..والدور الذي تؤديه في العمل القصصي ...
رواية الأحداث بلسان الشخصيّـة يعطيك الفرصة لتركِّز على أفكار ومشاعر ذلك الشخص ...فنقل إحساس شخصيَّة واحدة يكون أسهل ....
أماإن كنت تريد أن تغطي وجهات نظر عديدة فهنا يكون ضمير الغائب أكثر فائدة لك ..
لاتهتم بوجهة نظر الشخصيـَّة بنفس القدر الذي تهتم فيه بالبحث عن الدوافع والأسباب لتصرفات الشخصيـَّة ....اجعل تركيزك منصبا على هذا الموضوع بحيث يشعر القاريء بأنَّ أيَّ تفسير آخر غير ماقدمته ليس ممكنا .
ومن المهم أن يكون هناك حوار ...اقرأ الحوار الذي وضعته لشخصياتك بصوتٍ عالٍ ..لاحظ النغمات ..واختر الكلمات المناسبة ..واحذف أي إضافة لافائدة منها...
وأخيرا ولكي تجعل شخصياك مميَّزة ....إليك هذه النصيحة من أحد الكتاب المرموقين : دع شخصياتك تتحدث عن نفسها..واجعل شخصيَّات أخرى تتحدث عنها بشكل جيِّد أو رديء لتتضح معالم الشخصيَّة أمام القاريء ..
لاتلبس شخصيتك ثوبا لايليق بها ...اجعلها تبدو طبيعيَّة وتلقائية في تصرفاتها...
حاول أن تتخيَّل موقف الشخصية ...وتتخيَّل ردود أفعالك تجاه الموقف الذي وضعتها فيه ..اجعلها تتصرف كما كان يمكن أن تتصرف أنت لو كنت مكانها ..حتى لو كان التصرف خاطئاً أو غير صحيح ..
وملاحظة أخيرة جدا ...إن طالالزمن في قصتك فتذكر أن الزمن يمر بالشخصيات أيضا...فضع بصمة الزمن عليهم ..فهو يمر بهم ..كمايمّر بنا ...
يقول ترولوب " في آخر يومٍ من كلِّ شهر فإنَّ كلَّ شخصٍ في القصة الخياليَّة لابدَّ أن يكون قد كبِر شهراً أيضاً...  ....
............................

كيف ننهي القصة القصيرة ..؟(5 )
هاأنت كتبت قصتك بكل عناية وتركيز... واخترت الجمل وكثفت العبارات وأعطيت الشخصيَّة حقها من الإهتمام .. وراعيت الزمن وتطور الشخصيَّة ... وصارت الفكرة واضحة ومحبوكة ... أوفيها بعض الغموض الذي تسعى إلى كشفه بهدوء ...

وهاهي تسير إلى النهاية التي اخترتها من البداية ..أو فرضت نفسها عليك مع تطور الموقف الدرامي .....

فكما ستلاحظ فإنَّ القصة بعد أن تبدأ فيها تساعد في كتابة نفسها ... وتقدم لك الحلول المختلفة .. التي تأتي من اتحاد التجارب الدفينة واللاوعي المجهول بداخلك ...ومع الوقت ستجد أن فكرتك بعد أن انبثقت وشقَّت طريقها ستجد الحلول المختلفة التي تفتح الأبواب لاحتمالات كثيرة لم تخطر ببالك في البداية ...

قد ترفض بعض هذه الحلول ..وقد تغيـِّر في بعضها قليلا بمايتناسب وفكرتك أو وجهة نظرك الشخصيَّة ...

لكن قد يحدث شيء ما لاتتوقعه ..انقطاعٌ مؤقت .. أوتوقف للحماس الذي بدأت به .... أو شعورٌ بالملل أو الضيق ... او أي شيء آخر يكون سببه غالبا

وقد يحدث أن تجد نفسك وقد وصلت إلى نفقٍ مسدود ....فلا تستطيع التقدم ولاحتى التراجع والبدأ من جديد.... ينصح بعض الكتاب المتمرسين بعدم القلق أو الذعر ..وأن لاتجبر نفسك على إنهاء القصة بأي شكل كان ....

خذ فترة راحة ...أو غفوة قصيرة .. محادثة تافهة مع صديق .....أي شيء يبعدك عن جو القصة ..

بعدها عد إلى قصتك.. واندمج فيها من جديد ...اقرأها من البداية متجاهلا أين توقفت ... ابدأ الكتابة من حيث كنت دون قلق أو خوف ...

وقد يحتاج الأمر إلى إعادة كتابتها...افعل ذلك وبتركيز شديد ...

بعد ذلك ستجد أنَّ خوفك قد ذهب ..وأنك قادرٌ على الوصول بها إلى التطور الطبيعي للسبب الذي اخترته من البداية ...

أما كيف تنهي قصتك ...فهذا أمرٌ عائدٌ لك وللحبكة التي اخترتها ...ولتصورك الشخصي للحدث .. ووجهة نظرك الخاصة ..

قد تكون نهاية القصة طبيعيَّة خاضعة للتطور المنطقي للحدث ... حيث تأتي كخاتمة منتظرة ...

وقد تأتي مفاجئة وغير متوقعة ... بل وصادمة أحيانا .....!!

وقد تجعلها نهاية مفتوحة .. تسمح للقاريء بأن يضع لها مايريد من تصورات وتخيلات .....

ليس مهما شكل النهاية ...

ماهو مهم أن تكون ملائمة ومناسبة لفكرة القصة وسيرها وتطورهاالطبيعي أو المفترض ... .

أخيرا نجحت وأنهيت القصة ......

الآن بعد أن تكون وصلت إلى نهاية قصتك ...أعد قراءتها بعين الناقد لاالكاتب ... حاول إصلاح أي خلل فيها بكل هدوء ....

اقرأها وكأنَّ كاتبً آخر قد كتبها ...

قد تحتاج إلى تغيير بعض العبارات ...أو حذف بعض الزوائد ...أو شطب مالايعجبك منها ...أو إطالة بعض الفقرات ...
اقرأ الحوار بصوتٍ عال ..وحاول أن تربطه بالشخصيَّة وطريقة كلامها ...وتطور الموقف أو الحبكة ..

خذ وقتك الكافي لإجراء ماتريد من تعديلات ...

أعد القراءة مرات ومرات حتى ترضى عن ماكتبت ...

قد تحتاج لعرضها على شخص آخر والإستماع إلى حكمه عليها ..

بعد ذلك اكتبها من جديد... وبالصورة التي تجدها أفضل ...

لاتستعن بالصفحات السابقة كما يفعل بعض الهواة ....بل أعد كتابة القصَّة كلها ...

وإذا طبعتها على الكومبيوتر فأعد قراءتها بعد الطبع ... هذا يجعلك تراها بعينٍ جديدة

والآن عليك أن تبحث عن أحسن وسيلة لنشرها .... أوقد تنتظر لتكتب غيرها ثم تقدمها كلها في مجموعتك التي ستنشرها فيما بعد ..

.................
والآن بعد أن انتهينا من القصة وكتابتها يأتي التساؤل المهم : هل يمكن تعلم كتابة القصَّة ... ؟..........

والإجابة : نعم إذا كانت هناك موهبة وإرادة ...

وإذا كانت الكتابة مهمة بدرجة كبيرة للكاتب لكي يجعل منها حبه الكبير ......

وإذا قرأ أعمال القدماء والمعاصرين من الكتَّاب ...وبالذات أعمال العمالقة من كتاب القصّة القصيرة .... وقرأ كذلك في العلوم والشعر وعلم النفس والتاريخ ..

وإذا امتزج التعليم بضرورة الملاحظة والكتابة والعطاء والقبول والمنافسة والعمل والحب ....


الاثنين، 12 نوفمبر 2012

الشكل والمضمون


 الأدب كما نعرف هو تعبير عن الذات ...عن كل مايتحرك داخل هذه الذات من مشاعر وعواطف وإحساسات ...ومهمة الأدب هي إثارة الإنفعالات والعواطف في نفوس المتلقين بل واسنتهاض الهمم إن دعت الحاجة إلى ذلك ...وقيمة العمل الأدبي تتمثل في قدرة الكاتب على جعل اللغة قادرة على الإيحاء وعلى التأثير في المتلقي ..هذا يتطلب امتلاكا كافيا لناصية اللغة وقدرة على تطويعها لتعبر بدقة ودون إملال عن مايريده الكاتب...

لايكفي الكاتب التمكن من اللغة لكي يخلق أدبا مؤثرا في النفوس بل هو مطالب بإلباس اللغة أجمل ملابسها لتبدو خلابة فاتنة.....

هذا من ناحية ...ومن ناحية أخرى عليه أن يكسوها من ذاته الخلاقة بفيضٍ من مشاعره وأحاسيسه ...ممايجعل للأدب قيمة ومغزى ....

أما ناحية اللغة وجمالياتها فذلك هوالشكل الفني للعمل الأدبي ....وهذا الشكل الفني هو المضمون ...وهنا يتمّ الخلاف حول أهميّة كلٍ منهما ..

والآن ماهو المضمون الذي يريد الكاتب أن ينقله لنا؟...

هل هو مضمون أدبي خالص ..؟.. أم هو مضمون يحمل هدفامعينا....بمعنى أن يساهم أو يعمل على نشر القيم والفضائل في المجتمع كما كان الكتاب الكلاسيكيون يفعلون في وقت مضى ؟

هل المطلوب من الأديب مثلاأن يحمل هم المجتمع كله على كتفيه..فيصبح همه هو أن يعبر عنه وعن مشاكله وآماله وتطلعاته؟ ..

هل هو مطالب بالتركيز على زرع المثل العلياوالمباديء التي يؤمن بها مجتمعه ويسير عليها...حتى ولو كان ذلك على حساب الإبداع نفسه؟...


ولإن الإبداع لايتنفس ولاينطلق إلا في جو كاف من الحرية...فماهي حدود الحرية التي تمنح للمبدع لكي يتمكن من ممارسة إبداعه؟

وهل إذا اضطر الكاتب إلى التزييف من إجل إرضاء الآخرين ...فهل يعد إنتاجه أدبا؟

كيف ينبغي أن يكون المضمون؟...هل يترك هذا المضمون لحرية الكاتب نفسه ...ونظرته الشخصية للأمور المختلفة؟...أم أن المبدع يجب أن يضع في اعتباره أشيء كثيرة قبل أن يقدم على نشر إبداعاته.

ألايقضي تسخيره لإبداعه من أجل نيل القبول عند البعض مثلا على العفوية وعلى الإنسيابية في التعبير التي تتطلبها العملية الإبداعية؟.

كيف يمكن للمبدع الذي تنبثق بداخله في لحظات الإبداع طاقات انفعالية طاغية أن يحول هذه الطاقات إلى عمل أدبي مقنن أو مهجَّن ....


ولديَّ تساؤل مهم وهو : هل يمكن توظيف الأدب ليكون انعكاسا للمجتمع الذي يعيش فيه الأديب من ناحية ..ووسيلة للإرتقاء بهذا المجتمع من ناحية أخرى..؟...أم أنه يجب أن يترك لكل مبدع تحديد طريقته في التعبير عمايريد..؟ 

ثمَّ إلى أي مدى يمكن التسامح مع المبدع ؟....وهل يعاقب إن تجاوزالخطوط الحمراء المرسومة في مجتمعه؟ ...نعرف نحن أهمية الرقيب ودوره ولكن هل علينا حصر المبدع في دائرة مايجب ومالايجب ...ومايصح قوله ومايجب السكوت عنه..؟؟.أم أنه كمبدع يسمح له دون غيره بقدر كبير من حرية التعبير ؟.


وأيضا ..هل يصح أن نحوِّل الأديب إلى مجرَّد مصلح إجتماعي أو مدافع عن رأي معين ...هل من حق المجتمع أوالسلطة توظيف مهارات المبدع وقدرته على الخلق والإبتكار من أجل أغراض معينة؟ .. 

وتساؤلات كثيرة أرجو أن نجـد لها إجابات ...والحقيقة أنَّ الموضوع طويل ومتشعِّب.....

****

أما النقاش حول ماهية المضمون ...وهل أدب العبث واللا معقول أدب يحتوي على مضمون أم لا؟.. فأعتقد أنَّ أدب العبث جاء يعبر في مضمونه عن الرفض والثورة حتى ولم كان في مظهره يبدولامعقولا أو لافكرة من ورائه ....

...فمثلا انتظار "جودو" هذا الذي لايأتي ...هو في الواقع يمثِّل الواقع المزري حين تضيق السبل ويصبح الخلاص مرهونا بقدوم شيء جديد أو انتظار شخصية مهيمنة تحتوي هذا الموقف الفارغ والذي لاقيمة له...انتظار طويل ولاجدوى منه ...أو ذلك مايبدو.

ألسنا الآن في حياتنا الراهنة في موقف مشابه.. ؟؟؟؟

أماالأدب الخيالي أو (الفانتازيا ) فهو في الواقع يوحي عن طريق الترميزأو ( التشطيح ) في عالم الخيال الفسيح بأمور كثيرة قد لايمكن قولها بطريقة واقعية صريحة....

روايات ماركيز جارسيا تحمل الكثير من الفانتازياأو مايسمونه بالواقعيّة السحرية كما في ( ألف عام من العزلة ) مثلا وهي ليست مجرد تخيلات أو محاولات لدمج الواقع بالمتخيّل ولكنها تعني الكثير ولها معاني عميقة ..

رواية مثل ( روبنسون كروزو) أو (أليس في بلاد العجائب) أو ( دون كيشوت ) ...هل تعتبر روايات كهذه تافهة لأنها تدور في عوالم غريبة أو مختلقة ؟..

في الحقيقة هي تعبيرٌ عن رؤى وأفكارٌ لايمكن التعبير عنها بشكل آخر .

إذن فهي توضّح لنا أنّ من لايستطيع التعبير صراحة عمّا في نفسه يلجأ إلى الفانتازيا أو إلى الى الرمزية الغامضة....

كمثال كتابات الكاتبة السعودية ( رجاء عالم ).... رواياتها ومسرحياتها تسحب القاريء إلى عوالم غامضةمليئة بالسحر والغيبيات والتلميحات من خلال عبارات مكثفة وموحية ممايفجر الكثير من التساؤلات حول ماتريد الكاتبة قوله من خلال هذه الرمزية المجنحة والإغراق في الغموض....


 هناك أيضا مضمونُ ولكنه قدلايصل إلى الجميع بل إلى من يتمكن فهمه .. هذا النوع من الأدب هو أدبٌ نخبوي لايصل إلّاإلى القلّة من ذوي الثقافة العالية .

 

أرشيف المدونة الإلكترونية