الاثنين، 22 يونيو 2009

نموذج الأم في الرواية المحلية

حوار مع الصحفي طامي السميري نشر في صحيفة الرياض

س ـ عندما يتم رصد اطياف الشخصيات النسائية في الرواية المحلية نجد ان نموذج الأم مغيَّب الى حد ما ،وان كان قدحضر بشكل جيد لدى عبده خال في اكثر من رواية وبالتحديد في رواية مدن تأكل العشب وتمثل في لوعة أم يحيى الغريب وكذلك في رواية الحزام. هذا التهميش لحضور الأم هل مرده الى هذه الشخصية غير تسويقية او ان هذا التهميش ناتج عن التهميش الذي تجده الام في الواقع؟

:::::::::: && ::::::::

ملاحظة جيدة ياطامي وتستحق الوقوف عندها .... وحقيقة فإن صورة الأم في الرواية المحلية تكاد تكون غائبة أو نمطية ولاتمثل أي حضور مهم .....والسبب الأول هو أن الروائي المحلي عادة مايهتم بالسرد الحكائي وترتيب الأحداث والبناء الداخلي للرواية دون الإهتمام برسم الشخصية بصفة عامة ، حتى الشخصية الرئيسية غالبا ماتكون غير واضحة الملامح ولاتنبض بأي حرارة ، أما الشخصيات الثانوية فإنها غالبا ماتأتي بشكل سطحي وغير متنامً ويكون دورها هو تأطيردورالشخصية الأولى ؛ ومن هنا فهي ترسم بطريقة نمطية متماثلة تخلو من اي حيوية داخلية أوحضورإنساني مستقل كما هو الحال في روايات ماركيز مثلا ،أو في روايات كتاب عالميين آخرين .وبالنسبة للأم فهي لاتأخذ حقها ككيان مستقل في أي رواية محلية وإنما يأتي دورها مكملا لديكور الأحداث .. هي مجرد أم لها دور محدود في حياة البطل أو البطلة دور معين ، ولاتحمل في تصرفاتها أو أقوالهامايشي بشخصية عميقة ، هي مجرد رمز لفكرة الأمومة في معناها الأساسي ؛ كأن تأتي كما في ( سقف الكفاية ) بشكلها الأمومي الحنون .. الأم العطوف التي توقظ أبناءها في الصباح وتحرص على إطعامهم قبل الخروج إلى المدرسة ، أو تظهر بصورة المرأة المستكينة المغلوبة على أمرها المضحية بحياتها من أجل أبنائها كما في روايات قماشة العليان . وقد تأتي على أحسن تقدير تلك الأم التي تحرص على توعية بناتها ونصحهن بالصبر على هم الرجال وسوء طباعهم خوفا عليهن من الطلاق والتشتت وفقد الأبناء كما هي في بعض رواياتنا .
وهناك الأم المثالية الصابرة التي تحرص على تربية أبنائها بطريقة صحيحة وتعاني من اجل ذلك ، ثم تضطر لفراق الإبن الحبيب الذي ينتقل إلى الخارج للدراسة وتظل تنتظر عودته بصير وحنين ، وحين يعود تصدمها رؤية زوجة أجنبية معه وإبن يحمله على ذراعه لم تكن تعلم حتى بوجوده ، فتنكسر نفسها وتتألم في صمت حزين ، ويحزن الإبن لألمها ولشعوره بأنه خذلها وتنصل عن المباديء التي حرصت على تعليمه إياها .. هذه الصورة للأم المثالية المكافحة التي تتقبل صدمات القدر باستسلام ورضى تام رغم نمطيتها الشديدة فهي تبدو أكثر وضوحا عن غيرها ، وقد وجدتها في رواية ( الغربة الأولى ) لمنصور الخريجي .
وكما ذكرتَ في سؤالك فإن حضور دور الأم في روايات عبده خال يبدوأكثر وضوحا عنه في روايات محلية أخرى ، ففي رواياته نجد نمطا جيدا للمرأة القروية ذات الشخصية التي رغم انشغالاتها بتدبير شؤون الرزق ، وتعاستها وقسوة الحياة المحيطة بها ،فإنها تؤثر في حياة أبنائها بشكل إيجابي وكبير، ولها صوتها الخاص ونبرتها المميزة .
صورة الأم التقليدية نجدها بشكل مميز وإن كان عابرا في رواية زينب حفني الأخير ( لم أعد أبكي ) ..فهي المرأة المهضومة الحقوق التي تدفن همها في تربية إبنتها وفي تأدية عباداتها وواجباتها الدينية دون اهتمام بما يحدث في العالم من تطورات ، غافلة عن ما يحدث لإبنتها من تغيرات وتطورات ...
هي هنا مجرد كيان لاقيمة له في مجتمع حديث متغير متبدل ..

ربما تكون أقوى صورة لاندحار دور الأم وأكثرها إيلاما تلك التي رسمتها كاتبة رواية (جدة غير..وغير ) أوكاتبها ( لافرق ) ولعلها أكثرها بعدا عن الصورة النمطية المتكررة للأمهات ...
ففي الصفحة 36 من هذه الرواية نجد صورة الأم العجوز المهملة والشاكية والتي تشعر بالقهر والمرارة لتصرفات إبنها الجافة تجاهها .. إنها تعبر عن مأساة الأمهات اللواتي يفقدن حب واهتمام الأبناء بعد زواجهم ، حيث يأتي الإبن العميد (الذي يدفع لها 300 ريال شهريا فقط من راتبه الضخم ) لزيارتها في دارها القديمة مكرها ومن باب الواجب ليس إلا ويرفض شرب شيء مماتقدمه له ، ربما قرفا مماآلت إليه حالها ، أوربما للتعبير عن استيائه منها ، فتقول لها بقهر أمومي : ( "-حظّرت عليك حرمتك ماتشرب الشاي عند أمك ، بَرسمتك بشخطتها ونقطتها خلاص ؟."، ثم تردد على مسمعه قولها كلما أغضبها إهماله وتجاهله لها : (" صدقوا أهل أول ، لم اتولد الحرمة يغنوا لها :لماقالوا لي بنيَّة قلت الحبيبة جاية، تكنس لي وتفرش لي وترد الوحدة عليَّا.لما قالوا لي غلام، انكسر قلبي وغام ، قلت أكبره وأسمنه تجي تاخده بنت الحرام ." ). ونرى الإبن وهو يفكر في أمه متأملا : ( "في قلوبنـا سعة وضيق صوب الأم، ومرام ( أي زوجته ) مثل محيط تأكل من قلبي الأخضر واليابس، لاأجد في قلبي رطوبة لتلك العجوز " ربما لأن الأمهات لايفصحن عن جوع للنداوة . ثم يستعيد الذكرى : ( أمي لم تفصح قط ، سربت محبتها لي في اللبن في الأرزالكابلي ، وفي السحلب بالزنجبيل ، في الشاي بالنعناع وعطرة المدينة، فلما توقفت عن مقاسمتها اللقمة انكسرت تلك البوصلة التي ترشدني لمحبتها، والتي تقودني لحاجتها لي ! ولم أعد أشعر بحاجتها لي كمحب ، ويتحدث عن بيت أمه القديم التي رفضت الخروج منه ( إلا دار أمي الملكة وحارتها ، لكأن الدار تتعاضد مع عجوزها للتنكيل بي ، لتعميق هذه الفجوة بين أمسي ويومي، أمي تريد أن تحبسنا جميعا في أمسها ، لاتصدق أننا قد طلعنا من القمقم بلارجعة )
وفي الصفحة التي قبلها يقول ( في عصرنا الضوئي فقدت الأمهات وظيفتهن، بقيت لهنَّ وظيفة إحراجنا نحن الأبناء في نظالنا للطفو في واقع معاصر ثري يتعولم ).
هنا صورة للأم الثابتة على مواقفها التي ترفض أن يخرجها أحد من بيتها القديم ،ويجبرها على العيش في بيت حديث تتصدره الزوجة صاحبة الكلمة الأولى . .. وهي صورة ترصد الواقع الأليم في حياتنا ، حيث فقدت الأم مكانتها وقيمتها التي كانت لها فيمامضى .صورة تخالف النمطية المألوفة ولكنها تعبَّر عن بؤس الأمهات المهملات .
ربما تكون هنـا وفي هذه المقاطع المختارة الإجابة لتساؤلك عن السبب في ضآلة دور الأم في الرواية المحلية.
الأمهات فيما يبدو فقدن أدوارهن .. أمهات الأمس اللواتي كن يسهرن على راحة أبنائهن بأنفسهن ويضحين بالغالي والثمين من أجل تنشئتهم التنشئة السليمة ، وأمهات اليوم اللواتي تقوم الخادمات بدور التربية والسهر على الأبناء بدلا منهن على السواء .
لاغرابة أن لانجد للأم دورا في الرواية المحليـة بعد أن أصبحت الأمهات كما يقول بطل رواية ( جدة غير .في مكان آخر ( أمهاتنا يُقمن في عصور انقرضت ) .

أرشيف المدونة الإلكترونية