الاثنين، 20 أبريل 2009

تساؤلات حول الرواية






تساؤلات حول الروايــة
لمَ يكتب الروائي روايته ولمن ؟…..ألايخطر ذلك ببال القاريء وهو يقرأ رواية ممتعة لروائي متمكن من فنه ….غالبا ما ينشغل القاريء بمتعة القراءة دون أن يشغله التفكير في كيفية ولادة هذه الرواية أوالمراحل التي مرت بها ابتداء من اختمارها كفكرة في ذهن كاتبها وحتى اكتمال فصولها ومن ثم انهاء عملية تجهيزها لتصل إلى القاريء كعمل مكتوب ومكتمل وواضح المعالم إن كان قارئا متمرسا فقد يكتشف أثناء القراءة أو بعدهــا مدىمهارة الكاتب في بناء الرواية أو يثير تأمله المعنى الذي تدور حوله الرواية أو اختيار هذه الفكرة التي تتمحور حولها الرواية……وقدتنبت بباله عدة تساؤلات حول مالذي جعل هذا الكاتب يختار شخوصا معينة لتقوم بالعمل الروائي…أو من أين استقى الكاتب تلك الحادثة التي كتب عنها ؟…هل هي من وحي تجربة شخصية ؟..أم هي من وحي مشاهداته التي شاهدها وانفعل بها لدرجة الرغبة في تسجيل وقائعها مع مايحيط بها من ظروف ...وماتولده من مشاعر ..
ومن ماذا يتكوِّن مزاج الروائي وهو يكتب روايته؟….وأية أفكارعجيبة تكون قد خطرت بباله قبل أن يكتب روايته ؟؟…
وماهو النوع الشعور الذي يلفه وهو مستغرق في كتابتها …..هل هو مأخوذ بفكرة معينة يريد أن يعبر عنها عن طريق هذا النوع الأدبي الذي ظل لفترة طويلة من الوقت محتقرا وغير معترف به في عالم الأدب ..
كيف بذل الكاتب جهدا في كتابتها وترتيب فصولها وشحذ الشخصيات المناسبة لها……؟ بل لم اختار أن يكتب رواية وليس شيئاآخر؟….ماهي الحاجة الدافعةإلى كتابة روايةأصلا..؟….

للإجابة على هذه التساؤلات الكثيرة لابد أننا نحاول أن نتخيل كاتب الرواية وهو مشغول الفكر متوتر المشاعر ...يحاول جاهدا إخراج مابنفسه من أحاسيس غامرة وغامضة في نفس الوقت لتظهر على شكل عمل واضح الملامح ...
ثم ننساق إلى محاولة فهم معنى الرواية كإنجاز وفضاء أدبي واسع . بمافيها من إمكانيات وبماتتيحه للكاتب من مساحات للتعبير عن المشاعر والأفكار والتوصيف للمشاهد و.وماهي أهداف كتابة أي رواية….الأهداف الرئيسية طبعا ….أما التي تتعلق بكل رواية على حدة فهذا ماينبغي أن يجيب عليه كاتب الرواية وحده…..
هذا سيجعلنا نعرف من هو الروائي ؟…..ولماذا اختار أن يعبر عن نفسه بهذه الطريقة؟…..ونتساءل بيننا وبين أنفسنا ..ونحن نشعر بمدى معاناته ليخرج لنا هذا العمل الأدبي هل من حقنا نحن القراء أومن حق النقاد أن يفرضوا عليه طريقة معينة في كتابة روايته….هل من حقنا أن نعترض على مايقوله ويوحي به إلينا... هل يجوز لنا أن نضع له حدودالايتعداها.؟
هانحن نقترب من فهم الروائي .... ونحاول أن نصل إلى فكره ...ونريد أن نكون إجابات حول الأسئلة التالية ::
كيف نفهم الروائي ونتبين وجهته وأهدافه….كيف لنا أن نعرف ماهي دوافعه وماهي حدوده ….وأي طريق سيختارها ويحملنا على السير فيها معه ….ولم هذه الطريق وليست تلك.؟...
والإجابة ستكون أن لكل روائي طريقته………..وجهة نظره …التي تقوده إلى وجهة معينة يكاد لايخرج عنها…..إنه يتسكع داخل وجهته تلك لايكاد يبعد عنها حتى يعود إليها من جديد

وهو –أي الروائي - حين يكتب روايته يكون واقعا تحت تأثير نفسي ملح …يكون ملبيا لنداء يصفه عالم النفس بإنه نداء عجيب يدفعه إلى محاولة خلق عالم خاص به …هو يلبي أيضا نداء المحاكاة لمن سبقه ومحاولة التعبير عن ذاته من خلال عمل حكائي …يحكي فيه ماينعكس على مرآة روحه من أحداث وأحوال تحدث له أو لغيره من البشر…..وقد لاتكون حدثت فعلا ولكنه يتخيل حدوثها ويعالج هذه الأمور التي خلقها وصورها وكأنها فعلا حدثت….يعمد للإيضاح أو للغموض …حسب مايحس أنه مناسبا لعالمه ولوضعه هو في العالم الحقيقي الذي يعيش فيه …..وعالمه ذاك الذي يخلقه هو عالم خاص به وهو عالم قد يكون موجود فعلا خارج ذاته …..ظاهر وواضح ولكنه يرسمه بطريقته هو وحسب إحساسه به….إنه عالم قائم بذاته لايعتمد على شخصيات ومشاهد ومغامرات يأتي بها ثم يسردها وكأنها حدثت بالصدفة….بل هي عالم له نظام وتماسك وتركيبة خاصة …..ولكنه في الواقع عالم من الهشاشة ….غير ثابت ولامستقر …..قد يختفي أو ينقطع أو .يتفكك أو يبيد كما يقول ستاندال.
2
أما مالذي يريد الروائي أن يقوله في روايته ؟…فمن يستطيع غير الروائي نفسه أن يعرف ذلك ...ومن يدري فلعله وهو يطأ هذا العالم الغريب الكبير…. اللامحدود ….الصاخب ….المضطرب عالم الرواية …قد يكون جاهلا لمايريد أن يمسك به من تضاريس هذا المكان الغريب الذي تجرأ على دخوله ... قد يعتوره الرعب فلايدري من أين يبدا السير ….ولامالذي عليه أن يحكم قبضته عليه …وقد يتردد قليلا قبل أن يتمكن من معرفة طريقه فيواصل مسيرته واثقا من كل خطوة يخطوها في هذا العالم المترامي الأطراف .
هو ليس بشاعرٍيعبر عن مكنوناته بحرية وانطلاق …..وليس فنانا يرسم مايراه أمامه من مجال محدود يركز عليه ……هو كروائي محاط بإمكانيات هائلة… تمنحها له الرواية بسخائها المعتاد ….ذاك السخاء الذي أخذ ته معها وهي تنزلق من عالم الملحمة الطموح والمتعالي …. إلى عالمها المتسع الغني بكل المتناقضات والترديات والأهواء ……..يجر الروائي نفسه في ذلك العالم فيكتشف كم هو مقيد وسجين ….لاسجين أحكام مسبقة أو قوانين ثابتة….بل سجين تلك الطرق المتعددة والإمكانات الهائلة التي تمنحها الرواية ……هوفي بحثه عن موضوع واحد يخوض مغامرة كبرى …وعليه أن يعرف كيف يخوضها ……وأين يتجه في مغامرته تلك هو كما يقول نحن في حاجة إلى اقتحام أراض مجهولة…..إنهامغامرة عجيبة تلك التي تمنح للروائي …فليتعلم كيف يخوضها…..هذا ماقاله كليبر هانس وهو ياتأمل حال الرواية الحالي …نعم إنهامغامرة ….فمن يقتحم أرضا مجهولة عليه أن يعرف أين يضع قدمه في هذه االأرض …...ويحدد أين سيصل وإلى ماذا تنتهي به الطرق…..هل سيجد طريقه هناك بسهولة أم سيفقد الإتجاه الصحيح وقد يتعثر وقد لايصل أبدا……هنا مكمن الخطورة…..والروائي الماهر يعرف من أين يبدأ وهو يسير مهتديا بوحي بواسطة بوصلته الخاصة به .

روائي اليوم يعرف أن بوسعه أن يخوض في كل رواية مغامرة خاصة به …..وأن يسبح في عالم خاص به ….عالم قد يبدو لنا خياليا بعيدا عن عالم الواقع...ولكنه في حقيقة امرعالم له قوانينه ونظامه ومراحله المختلفة….عالم غير مستقر ولاثابت يحركه الروائي كيفما شاء …مدفوعا بأحاسيسه وفكرته عن العالم الحقيقي ….بمواقفه منه ….بخبراته ومتاعبه …..مساقا بشعور داخلي ملح لأن يخرج هذا العالم من داخله ويعرف الآخرين عليه ….إنه عالم حقيقي ……عالم موجود في ذاته…..وهو يعرض عالمه هذا الذي يريده أن يكون …أمام أعين الآخرين ….يكشف الستار عنه بلا حرج أو خوف …..
هناك من ولد روائيا بالفطرة ….وهناك من ولد شاعرا لايعرف كيف يعبر إلا بالشعر..وهناك مجموعة المترددين الذين لم يكتشفوا مواهبهم الروائية إلا في سن متأخرة ….من هؤلاء كان بلزاك الذي لم يقرر أن يكون روائيا إلا في الثلاثين وستاندال الذي لم يكتشف قدرته على كتابة الرواية إلا بعد الأربعـــين.
وهناك من بدأ بالشعر وانتهى بالرواية وظل أسيرا للشعر حتى وهو يكتب الرواية….هو مزدوج الموهبة ولكنه حين يقتنع بالرواية لايكاد يغادرها حتى ولو عابثه شيطانه الشعري.
الروائي الحقيقي يخلق شخصياته من وحي اتجاهاته ونوازعه …..وقد يخرج من ذلك إلى ابتداع شخصيات كان من الممكن أن يكونها أو يمثلها أو يعيش من خلالها.
….هي شخصيات غير حقيقية ولكنها حين تبرزها قدرات الروائي المتمكن تبدو وكأنها حقيقية وواقعية .
الروائي الحقيقي يخلق شخصياته بواسطة الإتجاهات العديدة لحياته الممكنة.والروائي المزيف هو الذي لايعرف سوى طريقة واحدة لكتابة حياته .
هذه الملاحظة التي ذكرها الناقد الشهير تيبويه جديرة بالإنتباه.

والآن سنطرح السؤال عن كيف يعرف الروائي اتجاهه وكيف يحدد طريقه؟

نعم كيف يفعل الروائي ذلك …؟.كيف يستطيع ان يكتب عن حيوات لم يعشها ولم تمر عليه تجاربها…وأحداثها...؟

مايفعله الروائي الحقيقي في الواقع هو أنه يتقمص دور شخصياته تقمصا يجعله يكاد يكون كاملا بحيث يستطيع أن يعبر عنها كما لوكانت حقيقة وكما كان من الممكن أن تعبر عن نفسها لوكانت موجودة فعلا.
أنها تحمل حياة جديدة لم يعشها الروائي ولكنها تكاد تشبهها بطريقة ما…..تمثل أزمة إنسانية ...أوتصور واقعا يشبه أو يمثل بشكل ماواقعا معاشا بكل أبعاده ومشاكله وتفاعلاته .
إنَّ الروائي وهويكتب لايكون كما قد يظن البعض مستعبدا من قبل ذكرياته ومسجونا داخل تجاربه الخاصة ….بل هو يتنقل بكامل حريته في جهات كثيرة ويسبح في فضاءات عديدة داخل حيوات الآخريـــن
إنه وجود جديـد يمنحه الروائي بلمسته قيمة وتميزا ويهبه القدرة على التحرك داخل المجال الروائي الرحب.
فهل هو ذكاء الروائي الذي يقوده إلى إنتاج عالمه الخاص أم هو إحساسه الذي يدفعه للتعبير عن نفسه بشكل متفرد …..أم هي غريزة خاصة تتحكم في إبداع الروائي فتجعله ملزما بالسير في اتجاه معين ومحدد لايخرج منه إلا ليعود إليه بشكل آخر....؟؟
الحال عندالروائي هو نفسه عندالمسرحي وعند الشاعر ...إذ توجد لديه منطقة خاصة في اللاوعي تتجمع فيها مواضيع والأفكار والملاحظات تنتظر هناك حتى يحين موعـــد خروجها وإطلاق سراحها …..مواضيع تجمعت من أحداث خارجـــية من قراءات …تجارب شخصية ….بعضها أليم وبعضها مؤثر وبعضها صادم وكذلك من مصادر متعددة ومختلفة ….وقد يحمل الروائي افكاره لمدة طويلة ثم فجأة يحدث ما يهيئ الفرصة لولادة العمل الروائي …..وكأنه يملك بداخل عقله حقولا مليئة بالبذور التي تنتظر المناخ الجيد والتلقيح المناسب لتنتج وتطرح ثمارها.
عن الروائي وهو يقوم بكتابة روايته يكون ملبيا لحاجة ملحة بداخله …..حاجة تدعوه إلى الكتابة عن شيء يشعر به ويريد أن يتحدث عنه بغزارة….أو لنقل أنه يلبي حاجة مسيطرة لخلق عالم آخر من صنعه …..يحكي فيه مايريد أن يحكيه ….يصور فيه مواقف إنسانية وأحداث تخص أشخاصا تعرف بهم أو تأثر بأحوالهم….أو عانى معهم ….إنه يدخل مغامرة عجيبة ….ينساق إلى عالم من الأشخاص والأحداث والمشاعر……معتمدا على قدرته على البحث والإستنباط وعلى السير بعجلة الأموركما ينبغي أن تسير .
لنقل أن العالم الذي يصنعه الروائي هو في الواقع مسرح فسيح يقف هو وراء كواليسه لإدارة مايقدم فيه ….إنه يحرك أبطاله بخيط وهمي كما في لعبة العرائس المتحركة.
هو يحتاج للشخصيات المناسبة للأدوار التي تتحرك على مسرحه ….وهؤلاء لابد لهم من خصائص معينة ….وهو يمسك بسلسلة الحبكة التي أعدها وجهزها عبر خطة مسبقة ……ولكل شخصية دورها في هذه الحبكة ….لها بدايتها ولها فلك محدود تدور فيه …ثم هي محكومة بقدر معين تتحرك داخله وتخضع له ….وقد تكون الشخصية عميقة ومؤثرة من خلال ماتتمتع به من صفات إنسانية طبيعية …ومن خلال الدور الذي تقوم به في الرواية وتفاعلها مع الأحداث والظروف
ثمَّ أن الشخصية في الرواية تكون خاضعة لكل مايخضع له الإنسان العادي من أحكام وقوانين طبيعية فهو محكوم ببيئته وجيناته الوراثية وظروف أسرته وأحوال المجتمع الذي يعيش فيه…ويعاني كما يعاني الإنسان من ظروف الحياة المختلفة …أليس الكاتب يوجده ليجعله يقدم لنا صورة من حياة البشر ، …إذن فلمنحه الصفات الشخصية والمؤهلات التي تجعله قادرا على القيام بدوره بكفاءة .
إنّ مهمة الكاتب الروائي أن يصف الناس على حقيقتهم ، وأفضل طريقة لخلق شخصية روائية هي اختراع كامل بكل كيانه ....هذا ماتقوله كاتبة خبيرة بفن الرواية ...هي ديان فاير ...

إذن فالفكرة تبقى ساكنة هامدة ثم تتحفز للخروج متى ماسنحت لها الفرصة المناسبة،حينها تخرج على شكل عمل أدبي يحمل الكثير مما يختزنه الكاتب بداخله مماكان سابقا يتماوج هناك على شكل ظلال وأشكال مبهمة وغير واضحة المعالم والحدود….وحين تتحول هذه المخزونات إلى عمل على الورق تبدأ معاناة الكاتب مع ترتيب هذه الأفكار والشخوص وكيفية إعداد المساحة أو الفضاء الذي تتحرك فيه هذه الشخوص وتحرك الأفكار معها مجيئا وذهابا وصعودا وهبوطا داخل بناء محكم ومنظم …..وقد تتعثر الفكرة الرئيسية أو تتبدد خلال عملية طرحها وتوزيعها داخل العمل ….وقد يحدث بعض التذبذب في عرضها أو قد تتمزق بعض الخيوط نتيجة لمحاولة التوفيق بينها وبين الشخوص والحبكات المتعددة…..فتصبح مفككة وغير واضحة المعالم……وقد تتداخل الأفكار والأحداث والشخوص مكونة فيما بينها مزيجا متناقضا أو ممزقـا متعسرا جمعه وترتيبه ….ولكن ومع استمرار الكتابة يحدث ودون انتظار أن تبزغ الفكرة واضحة مرتبة وتتوالى الأحداث سهلة ودون تعقيد …حتى تصل إلى نهايتهـا.
هذا يقودنا إلى فكرة الرواية هل تقوم الرواية على فكرة ما أم على مجموعة متعددة ومترابطة من الأفكار ...ولكن هل لابد من فكرة معينة لتوجد رواية ما.... أحد الروائيين الشهيرين في عصرنا هذا يقول ( إن الرواية ماهي إلا فكرة متنكرة في شكل رواية ....فهل الفكرة هي الأساس في الرواية قد يكون ذلك ولكن مالذي تفعله تلك الروايات الكثيرة التي يبدو أنها كتبت على عجل ودون أن تكون وراءها أي فكرة مهمة أوحتى غير مهمة ...طبعا غير فكرة أن يعرف الكاتب من خلال هذه الرواية وينتشر إسمه ويذكر كمؤلف.
في الواقع أن الروائي قد يركزعلى فيض المشاعر الذي بداخله ...بحيث تأتي الفكرة كوسلة للتعبير عن مشاعر مكبوتة ....أكثر مماهي تعبير عن فكرة خاصة ...ولكن الفكرة تبقى هي الأساس الذي يستند عليه كاتب الرواية للبوح بأفكاره الصغيرة أو للتعبير عن مشاعره تجاه حدث ما ...يبقى أن نتساءل كيف ستأتي الفكرة ...واضحة وملموسة كما يفعل البعض من الروائيين ؟…أم غامضة ومختبئة وراء الرموز الكثيرة ...والأحداث المتشابكة .....هذا يعتمد على طريقة الكاتب وهدفه من كتابة الرواية والظروف التي تحيط به ..فقد لايكون قادرا على التعبير عن مايريد قوله بصراحة فيلجأ إلى المناورة والدوران حول الفكرة الأساسية بحيث يبوح ولايفصح ...يلمح ولايصرح ....
والكاتب الماهر يستخدم إمكانيات اللغة التي يملكها ..للتعبير عن مايريد دون الخوض في ذلك مباشرة .....هناك كلمات موحية ...وهناك أساليب بلاغية تؤدي الغرض في إيصال الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها للقاريء .
الأسلوب في الحقيقة مهم جدا في العمل الروائي ……جمال الأسلوب يجعل الرواية جذابة ومشوقة…..وكلما اهتمَّ الكاتب بأسلوبه ...وتجنب الإكثار من القول…كلما أضفى على روايته ألقا ونضارة….هو في الواقع يأتي من الأهمية بمكان كبير.
اختيار الكلمات المناسبة الموافقة للمعنى ضروري جدا في الرواية ، فماتؤديه كلمة من معنى لاتؤديه كلمة أخرى ، وهذا هو رأي فلوبير فلكل معنى كلمة واحدة محددة عنده يجب استعمالها هي وليس غيرها لتلائم المعنى المطلوب .كل كلمة يجب أن تكون في مكانها المحدد ..وأن تكون مناسبة وملائمة وفي نفس الوقت جميلة معبرة ، هناك أيضا استخدام التشبيهات الجيدة الموافقة للمواقف أو للصور ، وهناك الإستعارات المناسبة ، والمجاز والرمز والإيحاء بالكلمات والصور …هناك الكثير من الإمكانيات اللغوية التي إذا استعملت بعناية ودقة تؤدي إلى خلق لغة جميلة خصبة …توحي بالغزارة وثراء الفكر لدى الروائي …وتؤدي إلى تعميق المعاني وترسيخ الأفكار المبثوثة في الرواية .
وممالاشك فيه أنَّ الروائي الجيد صانع ماهرٌ …يصنع من الكلمات شخصيات ومواقف وصورأ وأفكارا …ولذاعلى الكاتب أن يهتم بلغته التي تقوم عليها صناعته الروائية …والتي بواسطتهاتتحدد موهبته ….هذا إن كان حريصا على أن يكون له إسم كبير في عالم الأدب الروائي .
إهمال الروائي للغة وعدم تركيزه على استعمال المفردات الغنية بالإيحاءات والدلالات المعبرة معتمدا على الفكرة والأحداث يقلل بصورة واضحة من قيمة روايته ...ومن جمالها الفني ، أماإن كانت لغة الروائي محدودة فإنَّ التحايل على الضعف اللغوي باللجوء إلى التلاعب اللفظي وإلى استعمال لغة شعرية منمقة لتغطية هذا العيب أمر سيكتشفه القاريء بعد أن تتوقف الكلمات عن أداء سحرها.

الأسلوب له دوره الفعَّال في نجاح الرواية واعطائها الزخم الكافي والتأثير المطلوب ، ولكن كيف يمكن خلق أسلوب متميز ؟…هنا تقع المشكلة ‘فما لم يكن الروائي مسلحا بثقافة لغوية كافية فإنه مهما بذل من جهد في تحسين أسلوبه فستظل روايته…باهتة ضعيفة المستوى...العمل الدءؤوب على تجميل اللغة الكتابية وتصحيح الأخطاء النحوية والإملائية وإضافة المحسنات اللغوية ومحاولة تغيير ببعض الكلمات بأخرى أكثر وقعا وتأثيرا …هذا كله سيؤثر على الرواية بطريقة عكسية تماما ….حيث سيبدوالتكلف واضحا على هذا العمل … كما أن التركيز على اللغة واصلاحها وتحسينها سيضيف عبئا على الكاتب ويأخذ منه جهدا كبيرا ….هذا ليس تقليلا من مهمة الروائي أو صرفه عن الإهتمام باللغة ….كتاب الرواية العظام من أمثال بروست وجويس وهنري جيمس كانوا يقضون وقتا كبيرا في تنقيح رواياتهم واختيار مفرداتها والعمل على سبكها في نظم نثري بديع . فلوبير نفسه كان يعاني بشدة في اختيار العبارات المناسبة تماما للمعنى المراد…ولكن هؤلاء كانوا أصلا متمكنين من اللغة ومفرداتها ، عالمين بأسرار ومكنونات تلك اللغات التي يكتبون بها …وما محاولاتهم تلك للتجويد والتحسين إلا من قبيل المفاضلة بين المفردات المختلفة بما تحمله كل مفردة من إيحاءات ومدلولات خاصة بها …ومن باب التعلق بأهداب الكمال في كتاباتهم ….وهؤلاء أحسنوا صنعا …فما تخليد كتاباتهم وأعمالهم لقرون طويلة إلا بسب قدراتهم الكبيرة وعملهم على الوصول بكتاباتهم إلى مرتبة الكمال ….ومن الطبيعي جدا أن تكون أعمالهم الفنية ناضجة ومكتملة من حيث الفكرة والنسيج الروائي ومن حيث تكوين الشخصيات و إدارة الأحداث وتسلسلها الزمني واختيار المكان المناسب للأحداث وبقية ما تتطلبه الرواية من تنظيم وتخطيط….أما الإعتماد على أسلوب منمق جميل في أنه يؤدي إلى فشل الرواية الذريع كرواية واعتبارها مجرد شكل فني جمالي لاهدف له سوى الإمتاع اللغوي.

….لابد أن نشير إلى الشخصيات الروائية وهي التي تحمل على أكتافها عبْ تصوير الإنسان الحقيقي كما هو لاكما يوجد في خيال الروائي الفاشل … أحد تلك المخلوقات السطحية التي لاتعبر عن أي إنسان حقيقي بكل مافيه من خير وشر … وبكل ما يحمله من عواطف وغرائز وأفكار….تلك المخلوقات التي تمتليء بها روايات الخيال وروايات الحب الرومانسية التي تجعل من شخص واحد إنسانا يفيض رقة وجمالا وطيبة …ويتدفق وجدا وغراما إلى درجة ثقل الدم…ولاينطق إلا بكلمات الحب والشوق والهيام … بينما هناك في المقابل أناس أشرار لايريدون الخير لهذا الشخص ولالمحبوبته التي لايشبهها أحد من بنات العالم في جمالها وأوصافها …

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية