محاضرةالعباس عن الهوية ( وسردنتها ) في الرواية المحلية تلك التي ألقاها في النادي الأدبي بالدمام مساء الثلاثاء الماضي في النادي الأدبي تستحق أن نضعها تحت المجهر لنتأملها بشكل فاحص لأنهاتتطرق إلى فكرة جديدة حول الهوية التي تمارس سطوتها على كتابات الروائيين المحليين بشكل لاواع رغم عدم وضوح هذه الهوية لدى الكاتب أوتموضعها في ذهنه كمعطى ثابت مستقر يحمل قدسيةخاصة تجعل الروائي عاجزاعن مقاومة سطوتها ، مما يعطل حركةالسرد لديه ويحد من حريته في معالجة الأمور بوضوح ، ولأنها ايضا تحمل بطياتها نقدا مبطنا للروائي المحلي الذي لم يستطع بعد تجاوز القيود المفروضة عليه ، واختراق مايعتبره ـ أو ماهو موجود فعلا ـ هويةعامة مسيطرة ،مما يجعل من كتابة الرواية ودور الروائي فيها كفاعل في عملية الإضافة الإجتماعية المؤثرة المطلوبة أمر عسير المطلب. رغم أن هناك بين كتابنا من حاول فعل ذلك ولكن بشكل غير ناضج. ربما لأن الصورة العامة للأسباب والعوامل التي يجد الفرد الكاتب نفسه مضطرا لمواجهتها والتعامل معها سرديا لاتزال غائمة وغير واضحة في عيني الكاتب ، لنقص الخبرة أولا وبسبب التسرع في عملية الكتابة الرواية حيث تكون الكتابة مجردإشباع لدوافع داخلية ملحة . العباس وصف كتابة الرواية من قبل البعض كنزق أويأتي فقط ( كخضوع لضراوة الحدث،عبر اختلاق الحاضر كهوية مفتوحة وقابلة للتمدد،) حسب تعبيره.
في الحقيقة فإن أهمية الرواية تنبع من كونها ترصد حياة المجتمعات المختلفة ، وتوضح معاناةالذات ( الساردة ) تجاه ما تراه مناهضا لفكر أو مشاعر أو طموحات خاصة ، ومن خلال هذا الإنشغال بالتصارع مع قوى المجتمع المختلفةالتي يراها الكاتب كسدود تحاول اكتساحه تتشكل جماليات الرواية كصورة حية ومتحركة لحالة المجتمع ومايعتوره من تناقضات ومتغيرات فكرية واجتماعية واقتصادية نراها نحن ونشعر بها من خلال ذات الكاتب ونظرته الخاصة . والرواية كفضاءً حرا هي أكثر أنواع السرد مناسبة لتفريغ مشاعر (السارد ) الشخصية تجاه القوى الكبرى التي يراها قوى ضاغطة عليه ، وعلى المجموعة التي ينتسب إليها ويلوذ بها كهوية مصغرة تتصادم مع هويات أكبر وأقوى . وهذه الهوية كما يقول العباس قد تكون حقيقية أومجرد شعورعام يضفى على نفسه صبغة الهوية. وقد لاتكون سوى وهما أواختلاقا في ذهن الروائي يحاصره ويضغط عليه ويكون سببا في تحكمه في العمل السردي ربما دون وعي منه .
وكأمثلة على هذه الفكرة ، اختار العباس بعض الروايات المحلية لترسيخ فكرة الهوية المقصودة وتحديد أنواعها المسيطرة على الإنتاج الروائي المحلي ، وهي في نظره تتمحور في السرد المحلي كشعورا ذاتي، أو بشكل هوية خادعة يخضع لها الفرد باختياره لطابعها الرومانسي الذي يجعل الحياة أكثر قيمة وربما جمالا حيث الفرد الضعيف يتصارع مع هويات مهيمنة قادرة على فرض سيطرتها عليه وعليه هو السارد أن يفضح هذه الهويات المسيطرة ويعلن عن رفضه لها وعدم اعترافه بها.
فالهوية عند تركي الحمد ذات مرجعية سياسية تملي عليه اعتماد الشكل التاريخي كتوسيع للسرد مع التركيز على الشأن الشخصي باعتباره سياسي مباشر ، أما عند الشويخات في (نبع الرمان ) فالهوية تتجمد في اللحظةالعاطفية وتتكثف سايكلوجيا في إشارة إلى هوية اجتماعية طاغية تقاوم مشاعر الفرد المسحوق وتحارب رغباته وعواطفه، لتتحول محاولات السارد إلى إثبات وجود ومطالبة بحرية فردية كحق إنساني مشروع .
اختلاق الهوية أيضا قد تتمثل بانتزاع هوية الآخرين كعفة مزعومة كما نعتها العباس وهي تلك التي تتمظهر في رواية(الإرهابي 20 )لعبدالله ثابت.
الهوية ذات الصبغةالإقليمية في رواية ( فيضة الرعد ) لعبد الحفيظ الشمري تتحكم وتهيمن لتصبح الكتابة محاولة انتقامية لاواعية من هيمنة هوية مركزية مسيطرة بتجاهل أو تغييب هذه الهوية العامة وبالتالي الإبتعاد عن الشعور بهوية واحدة مشتركة ينادي بها البعض، واختيارعنصرية إقليمية كرفض للهوية المركزية المسيطرة .
ثم هناك الهويةالعرقية الصغيرة وهي ذات الإرتباط بأعراق منسية أومهملة في مجتمع ما، وهي عامة الوجود في كل المجتمعات ذات الأعراق العديدة .هذه الهوية يستنطقها محمود تراوري في روايته ( ميمونة ) من خلال سرد تاريخ هذه الجماعة بقصد رسم الإحساس بالإضطهاد الذي يشعر بها أفرادها كونها ذائببين في مجتمع آخر أخضعوا للعيش فيه ، بعد أن سلبت منهم هويتهم الأولى وفقدوا تراثهم ولغتهم الأصلية ،ووجدوا أنفسهم في مجتمع يقلل من قيمتهم ولايتمتعون فيه بأي امتيازات من جميع النواحي .
رواية الدميني الوحيدة (الغيمة الرصاصية ) توضحت هويتها في مكان متخيل لهوية مشتركة يتعايش الجميع من خلالها حيث الماضي يتم تشييده سرديا لتخليق حاضرٍ يعيش الجميع فيه بسلام من خلال هوية موحدة السحنة ،لاتتصارع فيه القوى والهويات المختلفة .
عواض العصيمي الذي وصف العباس أسلوبه بالخشونة تطرح الصحراء نفسها كهويَّة في مجمل رواياته والذي يبدو كحرص من الراوي على حماية الذات الصحراوية من النسيان والتجاهل، أي (مهمة حفظ الكينونة المتوّلدة من رحم الصحراء) بتعبير العباس والمكان (الصحراء) يفرض هويته هناعلى السارد بحيث يتحول السرد في معظمه إلى تمجيد لهذا المكان( الهوية( وتوصيف لقيمته وجمالياته وطقوس العيش بداخله ..
رواية أخرى هي الحزام تحمل هوية مكانية محلية واضحة المعالم ، هي هوية القريةالجنوبية ،التي يستعيدها الروائي ويشكِّلهابلغة شاعرية مضمخة بحنين قوي حيث أنها هوية مفقودة يشتاق إليها ويؤرخ لهاعن طريق السرد الروائي ـ ولو بلغةأجنبية ـ وكأنه يريد بذلك أن يجعلها تقاوم سطوة المدينة الكاسحة ، خاصة وهو يعيش في مجتمع غريب مغايرتماما لجو قريته الصغيرة المجهولة التي تقبع في ركن قصي من بلده.
وفي روايات رجاء عالم تتحدد هوية مكانية أخرى هي ( مكة ) بفلكلورها، ومخزون ذاكرة الأمهات والجدات لأحداث تاريخية عجائبية مع ماتحفل به ( مكة )عند أبنائهامن طقوس خاصة ومعتقدات شعبية وهو ما يجعل من هذه المدينة مستودعا مليئا بالأسرار والألغاز إلى جانب قدسيتها الدينية. .
أما رواية ( القران المقدس ) - وهي رواية مبتذلة بجميع المقاييس - فقد تجلت فيها (الهوية المركبة ) ) كموروث ثقافي تاريخي لطائفة بأكملها) يميل السرد فيها وإن بلغة ركيكة وأسلوب جاف ومبتذل إلى محاولة تعرية هذه الهوية الضاغطة والمسيطرة وبطريقة مباشرة وتدميرية حادة، بالإضافة إلى ) الهوية النسوية) تلك التي تهيمن على كتابات المنتسبات إليها في تنديد محموم تجاه ( الهيمنة الذكورية ) التي تسود المجتمعات العربية كلها كمجتمعات تقلل من شأن المرأة وتتعامل معها بدونية . ومن منطلق نسائي أجدأن لبعضهن الحق في رفع أصواتهن تجاه هذه الهيمنة المتسلطة ، والملاحظ أن معظم الكاتبات العربيات تبدأ محاولاتهن في الكتابة بالصراخ والتشكي من قهرواستبداد المجتمع الذكوري باعتباره قوة ظالمة .بعضهن تلازمهن عقدة الإضطهاد فلايتوقفن عن الندب والعويل والنحيب مهما تعددت وتنوعت كتاباتهن .
هذه هي أهم الهويات التي رسمها لنا العباس بوعي الناقد المحترف ... فهل هناك هويات أخرى يمكن تناولها في الرواية محلية أو غير محلية .؟..
نعم فكون الرواية فضاء متسع حر يسمح بجميع أنواع الإحتمالات الممكنة وغير الممكنة يصبح من السهل اكتشاف هويات أخرى حقيقية أومتوهمة ، صريحة واضحة أو متوارية تحت ستار هويات أخرى . والروائي المحترف يتعامل بحذق مع هذه الهويات المختلفة وخاصة في مجتمعات تتكوِّن فيها الهويات المتعددة في مجتمعات تغلب عليها حالة الإنقلابات السياسية أوالإجتماعية بحيث تنشأ هويات متعددة الأشكال والسمات سواء أكانت حزبية أوثورية أوفكرية جامحة ، فيتم تحويل الصراعات الناتجة عن ذلك إلى أعمال روائية متميزةوالأمثلة كثيرة في الأدب العالمي
يبقى أن المحاضرة كانت بحق محرضة للتفكير ، وتستحق التأمل والنقاش الجاد للخروج منها بأفكار جديدة تثري الساحة الثقافية المحلية ، وقد تغري الروائيين الصاعدين بطرق جوانب جديدة لم تُطرق بعد في روايات سابقة ، وتسهل على القاريء الواعي فهم دوافع الروائي ومحرضاته للكتابة الروائية خاصة وأننا نعيش عهد ( بزوغ نجم الرواية السعودية) حيث تنهال الروايات المحلية على رفوف المكتبات ( الخارجية ) بأسماء حقيقية أو مستعارة على أغلفتها ، وتفيض برغبة مستعرة في البوح وهتك كل أستار المجتمع المقفل ، وبجرأة شديدة في إعلان في كل مالايستحب إعلانه،حيث القصد من الكتابة أساساهو تقبيح المجتمع وقذف أهله وعاداته وأعرافه ومقدساته بأشنع الأوصاف لكونه يحمل هوية شمولية مسيطرة
وبما أن معطيات الرواية وحريتها تسمح بالتعدد والتنوع والتغايرفإنها تتيح للروائي الإستفادة من صراع الاضداد ،ومغالبة القوى المحلية السائدة والمهيمنة من أجل إنتاج عمل روائي حقيقي ،وليس مجرد خطاب ثرثار أو شكوى ( عرض حال )، ولعل مرد هذه الظاهرة الأخيرة في السرد الروائي المحلي يعود إلى إنشغال السارد بمايمليه عليه خياله من وجود هوية عامة شاملة تقف بكامل جاهزيتها واستعداداتها لمحاربته شخصيا وبسط سيطرتها عليه، وعلى الجماعة التي يعد نفسه جزءا منها. وبالإنصياع إلى هذه الفكرة يفقد الروائي بوصلته، وبالتالي يفقد القدرة على التحرك بسلاسة ورؤية الجوانب الأخرى من المجتمع التي تحتاج إلى رصد واقعي بعيدا عن تسلط الوسواس القهري الذي يحوله بشكل ما إلى دون كيشوت عصري مهووس بمحاربة قوى غير مرئية .
وعلى كلٍ وبصرف النظر عن موضوع الهوية " وسردنتها " فإن وضعنا الروائي الحالي مأزوم جدا ممايستلزم من النقاد الكبار التحرك لتخليص روايتنا المحلية من الفخ الذي يطبق عليها ويشل من حركتها ، والتي تجعل الروائي المحلي يقف في مكانه ( محلك سر ) مهما أنتج ومهما طبع .
نشر المقال في جريدة الرياض
في الحقيقة فإن أهمية الرواية تنبع من كونها ترصد حياة المجتمعات المختلفة ، وتوضح معاناةالذات ( الساردة ) تجاه ما تراه مناهضا لفكر أو مشاعر أو طموحات خاصة ، ومن خلال هذا الإنشغال بالتصارع مع قوى المجتمع المختلفةالتي يراها الكاتب كسدود تحاول اكتساحه تتشكل جماليات الرواية كصورة حية ومتحركة لحالة المجتمع ومايعتوره من تناقضات ومتغيرات فكرية واجتماعية واقتصادية نراها نحن ونشعر بها من خلال ذات الكاتب ونظرته الخاصة . والرواية كفضاءً حرا هي أكثر أنواع السرد مناسبة لتفريغ مشاعر (السارد ) الشخصية تجاه القوى الكبرى التي يراها قوى ضاغطة عليه ، وعلى المجموعة التي ينتسب إليها ويلوذ بها كهوية مصغرة تتصادم مع هويات أكبر وأقوى . وهذه الهوية كما يقول العباس قد تكون حقيقية أومجرد شعورعام يضفى على نفسه صبغة الهوية. وقد لاتكون سوى وهما أواختلاقا في ذهن الروائي يحاصره ويضغط عليه ويكون سببا في تحكمه في العمل السردي ربما دون وعي منه .
وكأمثلة على هذه الفكرة ، اختار العباس بعض الروايات المحلية لترسيخ فكرة الهوية المقصودة وتحديد أنواعها المسيطرة على الإنتاج الروائي المحلي ، وهي في نظره تتمحور في السرد المحلي كشعورا ذاتي، أو بشكل هوية خادعة يخضع لها الفرد باختياره لطابعها الرومانسي الذي يجعل الحياة أكثر قيمة وربما جمالا حيث الفرد الضعيف يتصارع مع هويات مهيمنة قادرة على فرض سيطرتها عليه وعليه هو السارد أن يفضح هذه الهويات المسيطرة ويعلن عن رفضه لها وعدم اعترافه بها.
فالهوية عند تركي الحمد ذات مرجعية سياسية تملي عليه اعتماد الشكل التاريخي كتوسيع للسرد مع التركيز على الشأن الشخصي باعتباره سياسي مباشر ، أما عند الشويخات في (نبع الرمان ) فالهوية تتجمد في اللحظةالعاطفية وتتكثف سايكلوجيا في إشارة إلى هوية اجتماعية طاغية تقاوم مشاعر الفرد المسحوق وتحارب رغباته وعواطفه، لتتحول محاولات السارد إلى إثبات وجود ومطالبة بحرية فردية كحق إنساني مشروع .
اختلاق الهوية أيضا قد تتمثل بانتزاع هوية الآخرين كعفة مزعومة كما نعتها العباس وهي تلك التي تتمظهر في رواية(الإرهابي 20 )لعبدالله ثابت.
الهوية ذات الصبغةالإقليمية في رواية ( فيضة الرعد ) لعبد الحفيظ الشمري تتحكم وتهيمن لتصبح الكتابة محاولة انتقامية لاواعية من هيمنة هوية مركزية مسيطرة بتجاهل أو تغييب هذه الهوية العامة وبالتالي الإبتعاد عن الشعور بهوية واحدة مشتركة ينادي بها البعض، واختيارعنصرية إقليمية كرفض للهوية المركزية المسيطرة .
ثم هناك الهويةالعرقية الصغيرة وهي ذات الإرتباط بأعراق منسية أومهملة في مجتمع ما، وهي عامة الوجود في كل المجتمعات ذات الأعراق العديدة .هذه الهوية يستنطقها محمود تراوري في روايته ( ميمونة ) من خلال سرد تاريخ هذه الجماعة بقصد رسم الإحساس بالإضطهاد الذي يشعر بها أفرادها كونها ذائببين في مجتمع آخر أخضعوا للعيش فيه ، بعد أن سلبت منهم هويتهم الأولى وفقدوا تراثهم ولغتهم الأصلية ،ووجدوا أنفسهم في مجتمع يقلل من قيمتهم ولايتمتعون فيه بأي امتيازات من جميع النواحي .
رواية الدميني الوحيدة (الغيمة الرصاصية ) توضحت هويتها في مكان متخيل لهوية مشتركة يتعايش الجميع من خلالها حيث الماضي يتم تشييده سرديا لتخليق حاضرٍ يعيش الجميع فيه بسلام من خلال هوية موحدة السحنة ،لاتتصارع فيه القوى والهويات المختلفة .
عواض العصيمي الذي وصف العباس أسلوبه بالخشونة تطرح الصحراء نفسها كهويَّة في مجمل رواياته والذي يبدو كحرص من الراوي على حماية الذات الصحراوية من النسيان والتجاهل، أي (مهمة حفظ الكينونة المتوّلدة من رحم الصحراء) بتعبير العباس والمكان (الصحراء) يفرض هويته هناعلى السارد بحيث يتحول السرد في معظمه إلى تمجيد لهذا المكان( الهوية( وتوصيف لقيمته وجمالياته وطقوس العيش بداخله ..
رواية أخرى هي الحزام تحمل هوية مكانية محلية واضحة المعالم ، هي هوية القريةالجنوبية ،التي يستعيدها الروائي ويشكِّلهابلغة شاعرية مضمخة بحنين قوي حيث أنها هوية مفقودة يشتاق إليها ويؤرخ لهاعن طريق السرد الروائي ـ ولو بلغةأجنبية ـ وكأنه يريد بذلك أن يجعلها تقاوم سطوة المدينة الكاسحة ، خاصة وهو يعيش في مجتمع غريب مغايرتماما لجو قريته الصغيرة المجهولة التي تقبع في ركن قصي من بلده.
وفي روايات رجاء عالم تتحدد هوية مكانية أخرى هي ( مكة ) بفلكلورها، ومخزون ذاكرة الأمهات والجدات لأحداث تاريخية عجائبية مع ماتحفل به ( مكة )عند أبنائهامن طقوس خاصة ومعتقدات شعبية وهو ما يجعل من هذه المدينة مستودعا مليئا بالأسرار والألغاز إلى جانب قدسيتها الدينية. .
أما رواية ( القران المقدس ) - وهي رواية مبتذلة بجميع المقاييس - فقد تجلت فيها (الهوية المركبة ) ) كموروث ثقافي تاريخي لطائفة بأكملها) يميل السرد فيها وإن بلغة ركيكة وأسلوب جاف ومبتذل إلى محاولة تعرية هذه الهوية الضاغطة والمسيطرة وبطريقة مباشرة وتدميرية حادة، بالإضافة إلى ) الهوية النسوية) تلك التي تهيمن على كتابات المنتسبات إليها في تنديد محموم تجاه ( الهيمنة الذكورية ) التي تسود المجتمعات العربية كلها كمجتمعات تقلل من شأن المرأة وتتعامل معها بدونية . ومن منطلق نسائي أجدأن لبعضهن الحق في رفع أصواتهن تجاه هذه الهيمنة المتسلطة ، والملاحظ أن معظم الكاتبات العربيات تبدأ محاولاتهن في الكتابة بالصراخ والتشكي من قهرواستبداد المجتمع الذكوري باعتباره قوة ظالمة .بعضهن تلازمهن عقدة الإضطهاد فلايتوقفن عن الندب والعويل والنحيب مهما تعددت وتنوعت كتاباتهن .
هذه هي أهم الهويات التي رسمها لنا العباس بوعي الناقد المحترف ... فهل هناك هويات أخرى يمكن تناولها في الرواية محلية أو غير محلية .؟..
نعم فكون الرواية فضاء متسع حر يسمح بجميع أنواع الإحتمالات الممكنة وغير الممكنة يصبح من السهل اكتشاف هويات أخرى حقيقية أومتوهمة ، صريحة واضحة أو متوارية تحت ستار هويات أخرى . والروائي المحترف يتعامل بحذق مع هذه الهويات المختلفة وخاصة في مجتمعات تتكوِّن فيها الهويات المتعددة في مجتمعات تغلب عليها حالة الإنقلابات السياسية أوالإجتماعية بحيث تنشأ هويات متعددة الأشكال والسمات سواء أكانت حزبية أوثورية أوفكرية جامحة ، فيتم تحويل الصراعات الناتجة عن ذلك إلى أعمال روائية متميزةوالأمثلة كثيرة في الأدب العالمي
يبقى أن المحاضرة كانت بحق محرضة للتفكير ، وتستحق التأمل والنقاش الجاد للخروج منها بأفكار جديدة تثري الساحة الثقافية المحلية ، وقد تغري الروائيين الصاعدين بطرق جوانب جديدة لم تُطرق بعد في روايات سابقة ، وتسهل على القاريء الواعي فهم دوافع الروائي ومحرضاته للكتابة الروائية خاصة وأننا نعيش عهد ( بزوغ نجم الرواية السعودية) حيث تنهال الروايات المحلية على رفوف المكتبات ( الخارجية ) بأسماء حقيقية أو مستعارة على أغلفتها ، وتفيض برغبة مستعرة في البوح وهتك كل أستار المجتمع المقفل ، وبجرأة شديدة في إعلان في كل مالايستحب إعلانه،حيث القصد من الكتابة أساساهو تقبيح المجتمع وقذف أهله وعاداته وأعرافه ومقدساته بأشنع الأوصاف لكونه يحمل هوية شمولية مسيطرة
وبما أن معطيات الرواية وحريتها تسمح بالتعدد والتنوع والتغايرفإنها تتيح للروائي الإستفادة من صراع الاضداد ،ومغالبة القوى المحلية السائدة والمهيمنة من أجل إنتاج عمل روائي حقيقي ،وليس مجرد خطاب ثرثار أو شكوى ( عرض حال )، ولعل مرد هذه الظاهرة الأخيرة في السرد الروائي المحلي يعود إلى إنشغال السارد بمايمليه عليه خياله من وجود هوية عامة شاملة تقف بكامل جاهزيتها واستعداداتها لمحاربته شخصيا وبسط سيطرتها عليه، وعلى الجماعة التي يعد نفسه جزءا منها. وبالإنصياع إلى هذه الفكرة يفقد الروائي بوصلته، وبالتالي يفقد القدرة على التحرك بسلاسة ورؤية الجوانب الأخرى من المجتمع التي تحتاج إلى رصد واقعي بعيدا عن تسلط الوسواس القهري الذي يحوله بشكل ما إلى دون كيشوت عصري مهووس بمحاربة قوى غير مرئية .
وعلى كلٍ وبصرف النظر عن موضوع الهوية " وسردنتها " فإن وضعنا الروائي الحالي مأزوم جدا ممايستلزم من النقاد الكبار التحرك لتخليص روايتنا المحلية من الفخ الذي يطبق عليها ويشل من حركتها ، والتي تجعل الروائي المحلي يقف في مكانه ( محلك سر ) مهما أنتج ومهما طبع .
نشر المقال في جريدة الرياض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق