وهو تعبير جديد عن التجربة الروائية الحديثة ...بعد ظهور عدد من الأعمال الروائية الحديثة منذ منتصف القرن العشرين ... تلك الأعمال التي جعلت القراء وبعض النقاد يعتقدون أن عهد الرواية بمعناها التقليدي قد انتهي (( قصة - حبكة -شخصيات -زمان ومكان ))
ذلك أن الرواية تبرز من خلال شكلها الذي يمتاز بمرونته وانسيابته ،وتتميز بتنوع الشكل الروائي وقدرته على الانفتاح واستعمال أدوات وتقنيات فنية متنوعة مستلهمة من الشعر والدراما والسينما والتراث القصصي الشفاهى والتمثيل السريع لمنجزات العلوم الإنسانية والطبيعية والتفاعل مع التطورات الفكرية الأدبية ( محلية وعالمية ) وهذا كله من خلال التفاعل الدائم مع تنوعات تصور الفعل البشري وتصويره ، فالشكل الروائي في جوهره لغة سردية مكتوبة للفعل البشري وتتشكل هذه الصورة من خلال عوامل عديدة وعناصر متنوعة وعلاقات متجددة باستمرار .
وهي عناصر وعلاقات تتفاعل وتتداخل لتولد بنية روائية وتشكل بتفاعلها الذاتي والموضوعي والداخلي والخارجي مكونات الشكل الروائي وهي جميعها عناصر تكوينية متحركة تتحكم بولادتها وتشكلها وتفاعلها حركة أخرى هي الرؤية الفنية .
وقد تعاقبت على الرواية تيارات عديدة منذ أن بدأت تأخذ مكانها في عالم الأدب كما قام البعض بوضع النظريات المختلفة لها ،وكان أول من عني بوضع نظرية روائية من الكتاب فيلدنج وقد حدد لها بعض القوانين والشروط. ثم توالت النظريا ت وتتابعت التيارات فمن التيار الرومانسي إلى النظريةالطبيعية التي تعتني بوصف الطبيعة والبيئة المحيطة إلى النظرية الواقعية التي تعالج قضايا المجتمع وهمومه وقضايا الفرد في معاناته الإنسانية والمصيرية إلى الواقعية الإشتراكية التي تدافع الأنظمة الإشتراكية وتسعى إلى إبراز محاسنها ثم النظرة الوجودية والعبثية التي اجتذبت الكثير من كتاب الرواية في منتصف القرن العشرين وصولا إلى التيار الحديث جداً في الرواية وهو تيار الرواية الشيئية ، هذا التيار الذي يلقب أحياناً بتيار (رواية اللارواية ) Anti-Novel .
والرواية الجديدة تركز على جمادات الكون وعناصره غير الإنسانية وتمثل ذلك أعمال المدرسة الشيئية وفي مقدمتها أعمال " آلن روب جرييه " وهي المدرسة التي يرى أصحابها أنه من الغرور والابتعاد عن الموضوعية وأن نؤنسن الطبيعة من حولنا ونراها من خلال ذواتنا لأن ذلك يؤدي إلى نوع من الحلولية لا علاقةله بالحقيقة ولا بالنظرة الموضوعية للأشياء .
وبعد ظهور بعض الأعمال الأدبية الحديثة اعتقد الكثير من الناس أن عهد الرواية بمعناها التقليدي قد انتهى ( قصة _ حبكة _ شخصيات _ زمان ومكان ) وبعضهم قال بأنه لم يعد هناك تمييز بين الرواية والشعر .
ففي الرواية الحديثة تحررت الكتابة الروائية من قيود المنطق الذي ساد في الماضي وهو ضبط الشخصيات الروائية في سياق بناء درامي متصاعد يمسك بأطراف الرواية من النواحي الزمانية والمكانية جاعلاً منها عالماً موازياً لعالم الواقع ومعبراً عنه .
وقد أدى هذا التحرر من القيود إلى خلخلة بناء الرواية كله وتفكك الحبكة وانحلال الشخصيات كما أدى إلى انهيار زمن الروائية وتلاشي الحدود المكانية . ولكن رغم ما حدث للرواية الحديثة من تدمير منهجي للبنى التقليدية كانت الرواية الجديدة ترسي أسس بناء مختلف للغاية فقد انتقلت من مجرد كونها أداة تعبير عن موضوع خارجي إلى كونها أصبحت الأداة والموضوع نفسه وذلك عبر عملية استبطان للمرجع الخارجي يفتح أمام الكتابة أفاقاً جمالية جديدة .
لم تعد الرواية الجديدة تخضع للزمن الخارجي .. زمن الساعات والتقويمات بل أصبحت تخضع للزمن الداخلي .. أو الزمن الذاتي ( الإنساني ) وذلك عبر الاستعانة بالحوار الداخلي أو يسمى " تيار الوعي " .
والرواية الجديدة أو رواية اللارواية التي يعد " ألن روب جرييه " أحد واضعي طرقها والتي وضع لها منظوراً جديداً في كتابه ( نحو رواية جديدة ) ، وله عدة روايات سار فيها على النهج الذي دعاله وهي ( المماحى ) و ( العراف ) و( الغيرة ) ترفض كل الاتجاهات التقليدية المعروفة وتلغي كل الحقائق التي نعرفها عن الرواية المحكمة البنيان التي تحتوي على حوادث وشخصيات وتجارب إنسانية .
هذا النوع الروائي يسمى برواية ( الشيئية ) وهو يعد امتداداً فنيّا للوجودية وهذا التيار ظهر لاحقة لتطور الرواية الفرنسية والمكان لدى " جرييه " هو موضوع خال من الدلالة أو بمعنى أوضح هو وجود موضوعي صرف ويرى " جرييه " أن إسباغ دلالة ما عليه أمر مناقض لطبيعته بوصفه مجرد مكان "لا هو عبث ولا هو دلالة ، انه ببساطة موجود " كما يقول وهو بذلك يريد من الكاتب أن يركز على النظر إليه في صرامة وتجرد فلا يحمله دلالات لا تجملها ولا يزيفه بوصفه واقعاً متعيناً . وهو يرى أن الإنسان في هذا المكان كائن معزول في عالم من الأشياء والموجودات العارية من الدلالة والتي تبدي وجوداً يعوزه الترابط . وما نجده في صفحات الكتب من تفاعل بين الإنسان والطبيعة ليس إلاانعكاس لمفاهيم وأقوال مغرقة في رومانسية ثقيلة .
وقد فسّر " جرييه " ذلك( بأن الإنسان يعيش غريباً في عالم من الأشياء الصامتة الفاقدة للحس وهكذا فإن " جرييه " يدعو إلى النظر إلى جميع الأشياء المحيطة من منظور مختلف عن المنظور الأيديولوجي البورجوازي الذي يزيف الواقع ويشوه الأشياء ومن هنا تأتي مهمة الرواية الجديدة التي لا تدرس عواطف الناس ولا تعبر عن أعماقهم وما يدور فيها و إنما تنصرف إلى التحديق في الأشياء وتقدمها في وجودها الصلب العاري ، وهو أمر لا ينجح فيه الروائي إلا إذا هجر الواقعية المستهلكة وابتعد عن خزانة الكشف عن العمق)•.
والتجربة التي يجسدها هذا الشكل الروائي الجديد تتصف بالغموض والعبث واللامنطق تعبيراً عن غموض الحياة وعبثيتها ولا معقوليتها وهي تشدد على الحرية الفردية المطلقة مستندة إلى مفاهيم الفلسفة الوجودية وهذا يدعو إلى التذكير بأن الرواية الشيئية يعد امتداداً فنياً للفلسفة الوجودية .
وإذا كانت الشخصية في رواية( تيار الوعي) محورية مهمة حتى وإن كانت شبه معقدة تعاني من مشاكل سيكلوجية كثيرة. وفي الرواية الجديدة والتي يعتبر ألن جرييه أحد مؤسسيها تصبح الشخصية مجرد تكية يتكىء عليها المؤلف ليعبر عما يريد قوله وهذا ما تعتنقه ناتالي ساروت في رواياتها وهي تقول إنها تعتبر الشخصية كائن غير محدد المعالم، وغير قابل للتعريف.
وبذلك فقد تحول الاهتمام من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي ، وقد كان التحول إلى رواية ( تيار الوعي ) ناشئاً ومواكباً لظهور نظريات " فرويد " في علم النفس عن الدوافع والأسباب ونظريته عن (اللاشعور ) كذلك ظهور فلسفات جديدة فنية تقوم على رفض المحاكاة والنظر إلى العمل الفني ككيان مستقل بذاته .
أما بعد تحرر الرواية من قيودها السابقة فقد أدى ذلك إلى خلخلة العمارة بأكملها وتفكك الحبكة ، كما انحلت الشخصيات ولم يعد لها دور رئيسي في الرواية وانهار الزمن الروائي ، وتلاشت حدود المكان وهكذا خرجت الرواية الحديثة بعد عملية تدمير منهجي لبنيتها التقليدية .. ولكنها في المقابل أرست بناءً مختلفاً تماماً عما كانت عليه فانتقلت من كونها أداة تعبير عن موضوع خارجي لتصبح الأداة والموضوع في نفسه وذلك عبر عملية استبطان للمرجع الخارجي مما يفتح آفاقاً جمالية جديدة في كتابة الرواية كما قال الناقد " جورج أورليان " في مقالة له نشرتها جريدةالشرق الأوسط.
وهكذا وبعد هذا العرض السريع للإتجاهات التي سادت الرواية ؛ فإننا سنخلص إلى التطلع إلى الرواية من منظور حديث ،نجد أن اتباع الطرق الجديدة في كتابة الرواية قد حررت الكتابة من قيود المنطق الذي ساد في السابق حيث كان الروائي يجعل من الرواية مكاناً موازياً لعالم الواقع ومعّبراً عنه عبر اختيار مجموعة من الشخصيات يقوم بضبطها في سياق بناء درامي متصاعد يمسك بأطراف الرواية من الناحية الزمنية والمكانية بحيث تصبح الرواية هذه عالماً موازياً لعالم الواقع المعاش بكل أحداثه ومشاكله وهمومه وقضاياه المختلفة .
ورغم الإحتفال الكبير بهذا الإتجاه الروائي الجديد ، وتخصص بعض الكتاب في الدفاع عنه ، وتطبيق طرقه وأساليبه على رواياتهم من أمثال ألن روب –جرييه وكلود سيمون وناتالي ساروت وغيرهم ولكن هذه الرواية كما يبدو لم تستطع الصمود وتثبيت قواعد جديدة ومخالفة لكل ماسبق وضعه من قبل الروائيين الكبار بمختلف اتجاهاتهم وأفكارهم وأساليبهم ، فمازال القراء يميلون إلى قراءة الرواية التقليدية التي تنقل لهم الواقع وتزينه ،وتضع لهم عالما يعرفونه أمام أعينهم وشخصيات عادية مثلهم تمارس حياة تشبه الحياة التي يعيشونها ، وتنتابهم أحاسيس مثل ما تنتابهم أمام الظروف المختلفة . ولعل هذه الأسباب وعدم تفهم الكثير من القراء لمعنى الرواية الجديدة ، بما تصوره من واقع جاف يخلو من حرارة العلاقات الإنسلنية ويكتفي بنقل أشياء لاروح فيها ولاحيوية بشكل مطول وممل جعل كتاب هذا النوع من الروايات ينصرفون عنها ويعلنون فشلها وبالتالي يعودون إلى كتابة نوع آخر من الروايات سمي عند البعض رواية مابعد الحداثة أورواية الواقعية السحرية..
وهذا النوع من الروايات التجريبية يعتمد على العودة إلى الأساطير والحكايات القديمة و الخرافة وإعادة صياغتها بشكل حديث، مع محاولة إسقاط بعض الشخصيات الحديثة بداخلها أو بعض الأفكار والتصورات.. ويبدو بعض هذه الروايات وكأنه طلاسم غير مفهومة .كما أن اللغة المستعملة تميل إلى الإستفاضة واستعمال اشتقاقات وكلمات ومفردات وتعبيرات غير مستعملة من قبل. وكثيرا ما يكون البحث عن ماهو غريب ومجهول من الحكايا والأساطير التاريخية وإعادة صياغتها بطريقة عصرية بحيث تسمح لفعل الخلق لإبراز وعي الذات، واستغلال ذلك الفعل باستمتاع الطفل الذي يخترع لعبة جديدة .واستخدام الشخصيات التاريخية بشكل يسمح للكاتب بحذف بعضها والإستحواذ على أدوارها كوسيلة لإثبات ذات الكاتب نفسه.
ويمكن تعريف هذه النوع من الرواية بأنهاتسعى إلى الإبتعاد عن مجموعة التقاليد الروائية ونبذ الطريقة الإعتيادية في تقبل الرواية كعمل خيالي يصف جزءا من الواقع . واستخدام طرق جديدة في الشكل والمضمون تميل إلىأفكار غير واقعية وهي تقدم بنية تكاد تكون خالية من العمق الجمالي والفلسفي الذي تحتويه الرواية التقليدية . وهي رواية نخبوية تبحث عن قاريء خاص ولذا فإنها لم تحقق انتشاراجماهيريا كبيرا.
ذلك أن الرواية تبرز من خلال شكلها الذي يمتاز بمرونته وانسيابته ،وتتميز بتنوع الشكل الروائي وقدرته على الانفتاح واستعمال أدوات وتقنيات فنية متنوعة مستلهمة من الشعر والدراما والسينما والتراث القصصي الشفاهى والتمثيل السريع لمنجزات العلوم الإنسانية والطبيعية والتفاعل مع التطورات الفكرية الأدبية ( محلية وعالمية ) وهذا كله من خلال التفاعل الدائم مع تنوعات تصور الفعل البشري وتصويره ، فالشكل الروائي في جوهره لغة سردية مكتوبة للفعل البشري وتتشكل هذه الصورة من خلال عوامل عديدة وعناصر متنوعة وعلاقات متجددة باستمرار .
وهي عناصر وعلاقات تتفاعل وتتداخل لتولد بنية روائية وتشكل بتفاعلها الذاتي والموضوعي والداخلي والخارجي مكونات الشكل الروائي وهي جميعها عناصر تكوينية متحركة تتحكم بولادتها وتشكلها وتفاعلها حركة أخرى هي الرؤية الفنية .
وقد تعاقبت على الرواية تيارات عديدة منذ أن بدأت تأخذ مكانها في عالم الأدب كما قام البعض بوضع النظريات المختلفة لها ،وكان أول من عني بوضع نظرية روائية من الكتاب فيلدنج وقد حدد لها بعض القوانين والشروط. ثم توالت النظريا ت وتتابعت التيارات فمن التيار الرومانسي إلى النظريةالطبيعية التي تعتني بوصف الطبيعة والبيئة المحيطة إلى النظرية الواقعية التي تعالج قضايا المجتمع وهمومه وقضايا الفرد في معاناته الإنسانية والمصيرية إلى الواقعية الإشتراكية التي تدافع الأنظمة الإشتراكية وتسعى إلى إبراز محاسنها ثم النظرة الوجودية والعبثية التي اجتذبت الكثير من كتاب الرواية في منتصف القرن العشرين وصولا إلى التيار الحديث جداً في الرواية وهو تيار الرواية الشيئية ، هذا التيار الذي يلقب أحياناً بتيار (رواية اللارواية ) Anti-Novel .
والرواية الجديدة تركز على جمادات الكون وعناصره غير الإنسانية وتمثل ذلك أعمال المدرسة الشيئية وفي مقدمتها أعمال " آلن روب جرييه " وهي المدرسة التي يرى أصحابها أنه من الغرور والابتعاد عن الموضوعية وأن نؤنسن الطبيعة من حولنا ونراها من خلال ذواتنا لأن ذلك يؤدي إلى نوع من الحلولية لا علاقةله بالحقيقة ولا بالنظرة الموضوعية للأشياء .
وبعد ظهور بعض الأعمال الأدبية الحديثة اعتقد الكثير من الناس أن عهد الرواية بمعناها التقليدي قد انتهى ( قصة _ حبكة _ شخصيات _ زمان ومكان ) وبعضهم قال بأنه لم يعد هناك تمييز بين الرواية والشعر .
ففي الرواية الحديثة تحررت الكتابة الروائية من قيود المنطق الذي ساد في الماضي وهو ضبط الشخصيات الروائية في سياق بناء درامي متصاعد يمسك بأطراف الرواية من النواحي الزمانية والمكانية جاعلاً منها عالماً موازياً لعالم الواقع ومعبراً عنه .
وقد أدى هذا التحرر من القيود إلى خلخلة بناء الرواية كله وتفكك الحبكة وانحلال الشخصيات كما أدى إلى انهيار زمن الروائية وتلاشي الحدود المكانية . ولكن رغم ما حدث للرواية الحديثة من تدمير منهجي للبنى التقليدية كانت الرواية الجديدة ترسي أسس بناء مختلف للغاية فقد انتقلت من مجرد كونها أداة تعبير عن موضوع خارجي إلى كونها أصبحت الأداة والموضوع نفسه وذلك عبر عملية استبطان للمرجع الخارجي يفتح أمام الكتابة أفاقاً جمالية جديدة .
لم تعد الرواية الجديدة تخضع للزمن الخارجي .. زمن الساعات والتقويمات بل أصبحت تخضع للزمن الداخلي .. أو الزمن الذاتي ( الإنساني ) وذلك عبر الاستعانة بالحوار الداخلي أو يسمى " تيار الوعي " .
والرواية الجديدة أو رواية اللارواية التي يعد " ألن روب جرييه " أحد واضعي طرقها والتي وضع لها منظوراً جديداً في كتابه ( نحو رواية جديدة ) ، وله عدة روايات سار فيها على النهج الذي دعاله وهي ( المماحى ) و ( العراف ) و( الغيرة ) ترفض كل الاتجاهات التقليدية المعروفة وتلغي كل الحقائق التي نعرفها عن الرواية المحكمة البنيان التي تحتوي على حوادث وشخصيات وتجارب إنسانية .
هذا النوع الروائي يسمى برواية ( الشيئية ) وهو يعد امتداداً فنيّا للوجودية وهذا التيار ظهر لاحقة لتطور الرواية الفرنسية والمكان لدى " جرييه " هو موضوع خال من الدلالة أو بمعنى أوضح هو وجود موضوعي صرف ويرى " جرييه " أن إسباغ دلالة ما عليه أمر مناقض لطبيعته بوصفه مجرد مكان "لا هو عبث ولا هو دلالة ، انه ببساطة موجود " كما يقول وهو بذلك يريد من الكاتب أن يركز على النظر إليه في صرامة وتجرد فلا يحمله دلالات لا تجملها ولا يزيفه بوصفه واقعاً متعيناً . وهو يرى أن الإنسان في هذا المكان كائن معزول في عالم من الأشياء والموجودات العارية من الدلالة والتي تبدي وجوداً يعوزه الترابط . وما نجده في صفحات الكتب من تفاعل بين الإنسان والطبيعة ليس إلاانعكاس لمفاهيم وأقوال مغرقة في رومانسية ثقيلة .
وقد فسّر " جرييه " ذلك( بأن الإنسان يعيش غريباً في عالم من الأشياء الصامتة الفاقدة للحس وهكذا فإن " جرييه " يدعو إلى النظر إلى جميع الأشياء المحيطة من منظور مختلف عن المنظور الأيديولوجي البورجوازي الذي يزيف الواقع ويشوه الأشياء ومن هنا تأتي مهمة الرواية الجديدة التي لا تدرس عواطف الناس ولا تعبر عن أعماقهم وما يدور فيها و إنما تنصرف إلى التحديق في الأشياء وتقدمها في وجودها الصلب العاري ، وهو أمر لا ينجح فيه الروائي إلا إذا هجر الواقعية المستهلكة وابتعد عن خزانة الكشف عن العمق)•.
والتجربة التي يجسدها هذا الشكل الروائي الجديد تتصف بالغموض والعبث واللامنطق تعبيراً عن غموض الحياة وعبثيتها ولا معقوليتها وهي تشدد على الحرية الفردية المطلقة مستندة إلى مفاهيم الفلسفة الوجودية وهذا يدعو إلى التذكير بأن الرواية الشيئية يعد امتداداً فنياً للفلسفة الوجودية .
وإذا كانت الشخصية في رواية( تيار الوعي) محورية مهمة حتى وإن كانت شبه معقدة تعاني من مشاكل سيكلوجية كثيرة. وفي الرواية الجديدة والتي يعتبر ألن جرييه أحد مؤسسيها تصبح الشخصية مجرد تكية يتكىء عليها المؤلف ليعبر عما يريد قوله وهذا ما تعتنقه ناتالي ساروت في رواياتها وهي تقول إنها تعتبر الشخصية كائن غير محدد المعالم، وغير قابل للتعريف.
وبذلك فقد تحول الاهتمام من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي ، وقد كان التحول إلى رواية ( تيار الوعي ) ناشئاً ومواكباً لظهور نظريات " فرويد " في علم النفس عن الدوافع والأسباب ونظريته عن (اللاشعور ) كذلك ظهور فلسفات جديدة فنية تقوم على رفض المحاكاة والنظر إلى العمل الفني ككيان مستقل بذاته .
أما بعد تحرر الرواية من قيودها السابقة فقد أدى ذلك إلى خلخلة العمارة بأكملها وتفكك الحبكة ، كما انحلت الشخصيات ولم يعد لها دور رئيسي في الرواية وانهار الزمن الروائي ، وتلاشت حدود المكان وهكذا خرجت الرواية الحديثة بعد عملية تدمير منهجي لبنيتها التقليدية .. ولكنها في المقابل أرست بناءً مختلفاً تماماً عما كانت عليه فانتقلت من كونها أداة تعبير عن موضوع خارجي لتصبح الأداة والموضوع في نفسه وذلك عبر عملية استبطان للمرجع الخارجي مما يفتح آفاقاً جمالية جديدة في كتابة الرواية كما قال الناقد " جورج أورليان " في مقالة له نشرتها جريدةالشرق الأوسط.
وهكذا وبعد هذا العرض السريع للإتجاهات التي سادت الرواية ؛ فإننا سنخلص إلى التطلع إلى الرواية من منظور حديث ،نجد أن اتباع الطرق الجديدة في كتابة الرواية قد حررت الكتابة من قيود المنطق الذي ساد في السابق حيث كان الروائي يجعل من الرواية مكاناً موازياً لعالم الواقع ومعّبراً عنه عبر اختيار مجموعة من الشخصيات يقوم بضبطها في سياق بناء درامي متصاعد يمسك بأطراف الرواية من الناحية الزمنية والمكانية بحيث تصبح الرواية هذه عالماً موازياً لعالم الواقع المعاش بكل أحداثه ومشاكله وهمومه وقضاياه المختلفة .
ورغم الإحتفال الكبير بهذا الإتجاه الروائي الجديد ، وتخصص بعض الكتاب في الدفاع عنه ، وتطبيق طرقه وأساليبه على رواياتهم من أمثال ألن روب –جرييه وكلود سيمون وناتالي ساروت وغيرهم ولكن هذه الرواية كما يبدو لم تستطع الصمود وتثبيت قواعد جديدة ومخالفة لكل ماسبق وضعه من قبل الروائيين الكبار بمختلف اتجاهاتهم وأفكارهم وأساليبهم ، فمازال القراء يميلون إلى قراءة الرواية التقليدية التي تنقل لهم الواقع وتزينه ،وتضع لهم عالما يعرفونه أمام أعينهم وشخصيات عادية مثلهم تمارس حياة تشبه الحياة التي يعيشونها ، وتنتابهم أحاسيس مثل ما تنتابهم أمام الظروف المختلفة . ولعل هذه الأسباب وعدم تفهم الكثير من القراء لمعنى الرواية الجديدة ، بما تصوره من واقع جاف يخلو من حرارة العلاقات الإنسلنية ويكتفي بنقل أشياء لاروح فيها ولاحيوية بشكل مطول وممل جعل كتاب هذا النوع من الروايات ينصرفون عنها ويعلنون فشلها وبالتالي يعودون إلى كتابة نوع آخر من الروايات سمي عند البعض رواية مابعد الحداثة أورواية الواقعية السحرية..
وهذا النوع من الروايات التجريبية يعتمد على العودة إلى الأساطير والحكايات القديمة و الخرافة وإعادة صياغتها بشكل حديث، مع محاولة إسقاط بعض الشخصيات الحديثة بداخلها أو بعض الأفكار والتصورات.. ويبدو بعض هذه الروايات وكأنه طلاسم غير مفهومة .كما أن اللغة المستعملة تميل إلى الإستفاضة واستعمال اشتقاقات وكلمات ومفردات وتعبيرات غير مستعملة من قبل. وكثيرا ما يكون البحث عن ماهو غريب ومجهول من الحكايا والأساطير التاريخية وإعادة صياغتها بطريقة عصرية بحيث تسمح لفعل الخلق لإبراز وعي الذات، واستغلال ذلك الفعل باستمتاع الطفل الذي يخترع لعبة جديدة .واستخدام الشخصيات التاريخية بشكل يسمح للكاتب بحذف بعضها والإستحواذ على أدوارها كوسيلة لإثبات ذات الكاتب نفسه.
ويمكن تعريف هذه النوع من الرواية بأنهاتسعى إلى الإبتعاد عن مجموعة التقاليد الروائية ونبذ الطريقة الإعتيادية في تقبل الرواية كعمل خيالي يصف جزءا من الواقع . واستخدام طرق جديدة في الشكل والمضمون تميل إلىأفكار غير واقعية وهي تقدم بنية تكاد تكون خالية من العمق الجمالي والفلسفي الذي تحتويه الرواية التقليدية . وهي رواية نخبوية تبحث عن قاريء خاص ولذا فإنها لم تحقق انتشاراجماهيريا كبيرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق