
مقدمة
يقول حنا مينة (عن الرواية أنها هي الجنس الأدبي الذي يملك مفتاح المستقبل وأنها هي مستقبل الأجناس الأدبية … هي ديوان العرب في القرن الحادي والعشرين)• .
والرواية الجيدة ليست حقيقية فقط ، بمعنى أن الأحداث التي تصفها لم تحدث حقيقة ولكن إذا كانت الرواية ناجحة فيجب أن يشعر المرء بأنه لو قدر لهذه الأحداث أن تحدث فإن هذا سيكون بالطريقةالتي نقلها لنا الروائي تماماً.
وهذا يقودنا إلى التفكير في مايقال عن الرواية من أنها هي النوع الأدبي الوحيد الذي لايزال في طور التكوين، لأنه لم يكتمل بعد . ولذلك فهو قابل للتجاوز والإضافة والتجديد، لأن شكله لم يستقر بعد بصورة نهائية ، هو والذي لايملك قوانين خاصة به . والذي يمكن استقباله دون صوت، أي بالقراءة.
.تعريف الرواية:
ما هي الرواية ؟
الرواية هي شكل خاص من أشكال السرد . هي سرد لأحداث ووقائع خيالية يحاول الروائي إلباسها مظهر الحقيقة وإقناعنا بواقعيتها، ..وهي بهذا المفهوم عند ميشيل بوتور تعد أرقى الأنواع الأدبية لدراسة كيفية تحول الواقع إلىخيا ل...وهو لذلك يرى أنها تعتبر بحق مختبر السرد الروائي .
وهي فن لديه إمكانيات كبيرة في التعبير يستفيد منها الروائي المتمكن في تنفيذ عمله الروائي بالصورة التي يريدها ، أو يطمح إليها وهذا لايعن أن الرواية فن ليست له أصول أو أنظمة ...ولكنه فن مرن وقابل للإستفادة من جميع التقنيات والإبتكارات. وهو فن ملتحم بالحياة ،يأخذ منها مادته ، ويستفيد من تنوعها واتساع مادتها كما يرتبط ويتشابك مع كل العلاقات الإجتماعية المتشابكة والتطورات التاريخية والنظريات العلمية والفنية والأدبية . وهي فن يستوعب كل صور الحياة وأشكالها ويضم كل ما يشتمل عليه هذا المجتمع من علوم وأساطير وموروثات وما يحركه من صراعات وقضايا واختلافات .
والرواية في تعريفها الأدبي هي نوع من" السرد النثري" كما عرفها ميشيل زيرافا في مقالته عن الرواية، وهي حكاية خيالية تعتمد على الخيال ولكن الخيال فيها هو خيال له طابع تاريخي عميق . وهي فن أدبي حديث يأتي على شكل خطاب موجه ليحدث أثرا جماليا بفضل استعمال بعض المحسنات في اللفظ والأسلوب والتركيب.
وحين بدأت الرواية في القرن السابع عشر كانت تغرق في عالم غريب من الخيال ، ولم يكن هناك أي ارتباط بين الواقع الذي يعييشه الروائي وبين ما يكتب عنه.. ، وما يحاول التفنن فيه من مخالفة للمألوف ، متعمدا البحث عن المضحك والمثير للإستغراب والعجب.
وكان ان ارتبطت الرواية بالخيال ،وبالحرية التي تمنحها المخيلة الحرة التي لايقيدها واقع أو يحدها منطق.
العناصر الروائية التي تكون الرواية:
يقول هنري جيمس(إن الرواية شكل صعب إلى أقصى حد. ..إنه شكل صعب جدا بالفعل ، ولكن الطريقة الوحيدة للسيطرة عليه هي أن ندعي دوما أنه ليس صعبا)
هذا ماقاله هنري جيمس فهل كتابة الرواية حقا بهذه الصعوبة ؟ وأين تقع صعوبتها؟..
يدفعنا هذا القول إلى التفكير في كيف أن فعل التأليف كان يعيتبر عملا شاقا عند كتاب مثال فيلدينج أو ديكنز أو ثاكري ، حين كان المؤلف الروائي يشعر بالمسؤلية الثقيلة نحو جمهوره ، ونحو الأدب نفسه . وحين كان على الرواية أن تقدم إلينا بشكل عمل كامل يشبع حاجة القاريء إلى اكتشاف عوالم جديدة مليئة بالقيم والمثاليات والصراعات التي تبدو واقعية ومشابهة للعالم الذي نعيش فبيه ،مع توفر المتعة وتحقيق الشعور بقدرة انتصار الفرد على ما يواجهه من مشاكل وظروف وأحداث، وتلخيص العبر والدروس وتوفير المادة الحكائية التي تشغلنا عن همومنا الذاتية وتبعدنا عنها ولو إلى حين.
مجالات الرواية وأنواعها:
بما أن الرواية كما عرفت ووصفت من قبل العديد من الدارسين والنقاد على أنها فن الحياة فإنها تستمد عناصرها من الحياة نفسها فمجالها هو التجربة الإنسانية ... وهي تأتي من التجارب التي عرفها الكاتب أو خبرها وهذا يتوقف على طبيعة الكاتب وبيئته الأولى وعلى قدرته على الغوص والنبش في أعماق النفس الإنسانية . وليس من الضروري أن يكتب الروائي عن واقع تجربة شخصية وإنما هو يستطيع الحصول على خبراته من واقع الحياة ومن مشاهداته وملاحظاته ومخالطته للآخرين والاتصال بهم. ولكنه عادة يكتب ليعالج موضوعا يشغلهأو يوافق هوى في نفسه، أولأنه يود عرضه من وجهة نظره هو مثلا ، وقد يكون حريصا على إلقاء الضوء عليه لغرض معين . ولذلك فهو يختار من المواضيع ما يستطيع الكتابة فيه ، وما يعرف عنه أكثر مما يعرف عن غيره في أحيان كثيرة ، وهذا يجعله ملما به من جميع النواحي ، أهمية الشكل الروائي :
تتكون بنية الشكل الروائي من عدة عناصر أهمها المكان والزمان والشخصية ، هذه العناصر الثلاث تدعى (بالفضاء الروائي) كما أطلق عليها حسن بحراوي في كتابه (بنية الشكل الروائي) 1990و قد جعل هذا الفضاء الروائي عنصرا فاعلا في الرواية، لأنه كما ذكر يتميز بأهمية كبيرة في تأطير المادة الحكائية ، وتنظيم الأحداث .ثم تأتي بعد ذلك عناصر أخرى هي الحادثة والفكرة والأسلوب وطريقة عرض الرواية.
ويشمل الشكل الروائي أيضا الأسلوب الذي تقدم به الرواية هذا الأسلوب الذي ينبع من مفاهيم الفن والجمال
وقد يحاول الإلمام به أثناء معالجته لروايته، أو وهو في طور الإستعداد لكتابتها.
الحبكة الروائية
المقصود بالحبكة مجموعةالحوادث التي تجري في الرواية ،والتي تنسج منها خيطا متواصلا يؤدي كل جزء منها إلى الآخر في وحدة عضوية بنائية متكاملة بحيث تجيء النهاية نتيجة طبيعية لأحداث متوالية ، وليست دخيلة عليها أوخاضعة لعملية الصدفة التي يخلص بها الراوي أحيانا نفسه من مشكلات القص . فالحبكة إذن هي الجانب المعنوي من الأحداث، ولا تنفصل عن الشخصيات، وطريقة السرد والحوار وهي كما عرفها الدكتور محمد يوسف نجم بقوله (إن حبكة القصة هي سلسلة الحوادث التي تجري فيها مرتبطة عادة برباط السببية)• ولا بد من وجود ترابط بين أحداث الرواية وأن يكون هنالك صراع من أي نوع كان حسب أحداث وموضوع الرواية ينتهي إلى نتيجة مقنعة وبطبيعة الحال يتم هذا الصراع داخل البيئة ويعتمد الروائي في إبرازه على الشخصيات التي اختارها وصورها بطريقة تلائم الأدوار التي وضعها لها
ولنحاول فهم معنى الحبكة لابد أن نعرف أولا أنها ليست واحدة فهناك ما يدعى
بالحبكة المكفككة، والحبكة المتماسكة:
فالحبكة المفككة تأتي حين تبنى الرواية على سلسلة من الحوادث أو المواقف المنفصلة وفيها يقدم لنا الكاتب مجموعة من الحوادث الممتعة يجمع بينها رباط خفي نكتشفه في نهاية الرواية أو بعد الفراغ منها ومن أمثلتها (الحرب والسلام ) لتولستوى و (زقاق المدق ) لنجيب محفوظ .وقد لاتكون حبكة الرواية موفقة كما هو الحال في رواية جين"إير" مثلا حيث يغلب عليها عامل الصدفة والإفتعال على تنظيم الأحداث. وليس مقصودا بالحبكة المفككة انها غير جيدة ولكن المقصود هو انها لا تعتمد على حدث واحد متواصل يبدأ من نقطة واحدة ويسير بطريقة طبيعية حتى يبلغ مداه ولا ترتكز على موضوع واحد يعالجه الكاتب بتعمق وعناية بالغة فلا يغفل عنه لحظة أو يتركه وينشغل بمعالجة غيره من الأحداث .
الحبكة المتماسكة تتوفر داخل عمل روائي يعتمد على حوادث مترابطة يحكم الكاتب فيها قبضتة على الموضوع الذي يريد التعبير عنه فلا يتسرب منه أو يفلت من بين يديه شيء من الأحداث أو المواضيع التي تدور حوله، ولايترك هذا الموضوع حتى يصل به إلى الغرض المنشود . وقد تتحول هذه الحبكة إلى عمل آلي مثل ما هو حادث في رواية ( السراب ) لنجيب محفوظ التي بنيت حبكتها على عقدة أوديب .
"الحدث الروائي
الرواية هي حكاية خيالية تروى بأسلوب أدبي نثري، وهذه الحكاية هي حدث أو مجموعة حوادث تحدث لأشخاص ، ولا بد من وجود حدث أو مجموعة أحداث مترابطة لتكوين رواية بالمعنى المفهوم للرواية.وخلال العمل الروائي تتكون مجموعة من الأحداث والوقائع الجزئية ترتبط ببعضها البعض على نحو خاص لتكون الإطار العام للرواية . فنحن حينما نتحدث عن رواية ما يكون أول ما نذكره عنها أنها تتحدث عن فكرة ،وما يدور من أحداث لإبرازتلك الفكرة وتوضيحها . والإطار هو الحبكة التي ترتبط بالسرد المتماسك ، فالحدث نفسه يرتبط بالسرد ولذلك فإنه يمكن تعريف الحادثة الفنية كما يلي( هي تلك الساسلة من الوقائع المسرودة سردا فنيا والتي يضمها إطار خاص ) • والحدث لا يقدم جاهزا وإنما ينموويتطور ويتشكل من خلال مجرى الرواية، وقد تتعقد الأحداث فينشأ عنصر التشويق والرغبة في معرفة النتائج.ولابد من تكامل الحدث وتصويره مع الشخصية ، كما لابد أن يكون متعددا وله جوانب مختلفة ، وقد تتشابك الحوادث مكونة فيما بينها العقدة أو الحبكة الدرامية للعمل الروائي. والروايات التي تعتمد على عنصر الحوادث تسمى روايات المغامرات أو الروايات البوليسية التي لاتعتمد على الشخصيات بل على الأحداث وتسلسلها وما ينتج عن ذلك من مفارقات ومفاجآت .وقد تكون الأحداث تاريخية تشكل مادة للكاتب الذي يريد تصوير حقبة معينة من الزمن وتصبح الرواية هنا تاريخية في موضوعها ومقاصدها.
أسلوب الرواية
الأسلوب هو الوسيلة الأدبية التي يختارها الكاتب لتوصيل المعاني والأفكار التي يريدها القارئ . وقد قسمه الناقد " رتشارد ز " إلى أربعة أقسام المعنى والإحساس والإيقاع والقصد .
فالإحساس هو موقف الكاتب من المعنى الذي يريد نقله، والإيقاع هو إختيار الكلمات المناسبة لتصوير المعنى والقصد هو الغاية التي يسعى إلى بلوغها و " فلوبير " يقول عن ذلك : ( مهما كان الشيء الذي يسعى الإنسان للتعبير عنه ، فإن هناك كلمة واحدة تعبر عنه . وفعلاً واحداً يوحي به وصفة واحدة تحدده ولهذا على الكاتب البحث والتنقيب حتى يعثر على هذه الكلمة وذلك الفعل وتلك الصفة )
وعملية الكتابة هي كما قال بروست : ( ليست سوى عملية ترجمة ،وهذه هي مهمة الكاتب أن يترجم أحاسيسه وانفعالاته وأفكاره إلى كلمات معبرة ) .
وفي ذلك يقول ميشيل بوتور:) الرواية هي شعر يقرأ ، كما أن الرواية المنظومة هي شعر يغنّى( ).
الاتجاهات الحديثة في الرواية
في الحقيقة فإن تاريخ الرواية الحديثة بدأ في التبلور والبروز مع ظهور الطبقة الوسطى (البورجوازية) في القرن التاسع عشر نتيجة للمتغيرات الإجتماعية والإقتصادية . ومن هنا اعتبرت الرواية ( ملحمة بورجوازية). أي انها الفن الذي يعبر عن هذه الطبقة ويحكي عن متاعبها ومشاكلها وما تعانيه من مآس وهموم .وابتداء من هذه الفترة ظهرت أجيال من الروائيين العظام في الأداب المختلفة، منهم ستاندال وزولا وفلوبير وبلزاك في الأدب الفرنسي وغوركي ودوستويفسكي وتولستوي في الأدب الروسي ، وديكنز وثاكري وجين أوستن وغيرهم في الأدب الإنجليزي.
ثم بدأت ثورة التجديد في الروايةالتقليدية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وظهرت طرق جديدة في كتابة الرواية، واتسعت مجالاتها وظهر كتاب أكثر مرونة ووعيا بمتطلبات الرواية من أمثال جورج مور ووليم فوكنر وجوزيف كونوراد وصمويل بتلر وغيرهم.
وجاء القرن العشرون بجيل جديد من الروائيين أهمهم مارسيل بروست وجيمس جويس وفرجينيا وولف صارواروادا للإتجاه الجديد الذي يطلق عليه ( تيار الوعي ) والذي انتقل فيه محور الرواية من الخارج إلى الداخل، وبعد أن كان الطابع الأساسي للرواية هو تسلسل الأحدث ، وتفاعل البطل مع الأحداث ، أصبح اكتشاف العقل الباطن للإنسان هو مثار اهتمام الروائيين ، وكان للنظريات الجديدة في علم النفس في ذلك الوقت أثرها الكبير على هذا الإتجاه الروائي الحديث.
وفي منتصف القرن العشرين ظهرت الرواية العبثية ، مع ظهور المذهب السريالي الأدبي وانتشار المذهب الوجودي في فرنسا على يد كتاب من أمثال جان بول سارتر ، وسيمون بوفوار، والبير كامو وغيرهم وكولن ويلسون ,وازدادت حركة التغيير في الإتجاه الروائي وضوحا مع تطور مسرح اللامعقول الذي كان صمويل بكيت أول من سار عليه. وقدانتشرت هذه الموجات الأدبيةالجديدة في أنحاء أوروبا ،وقلدها بعض الكتاب العرب مثل توفيق الحكيم في مسرحيته الشهيرة ( ياطالع الشجرة).
وهذا كله أثر على طابع الرواية الحديثة، وكان من جراء ذلك ظهور بعض الروايات ذات المضامين المختلفة عن الرواية التقليدية. وتبع ذلك عدد من الأعمال الروائية الحديثة التي تغيرت فيها قواعد الرواية التقليدية شكلا ومضمونا فلم تعد هناك قواعد معينة تسير عليها الرواية ،من ناحية السرد أو الوصف، وحتى الشخصيات أصبحت عديمة القيمة.
وبعد ظهور عدد من الأعمال الروائية الحديثة أعتقد الناس أن عهد الرواية بمعناها التقليدي قد أنتهي ( قصة - حبكة -شخصيات -زمان ومكان ) .
من بحث كامل نشر في جريدة البلاد على حلقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق