السبت، 30 يونيو 2012

مراحل العملية الإبداعية

  بعض علماء النفس عمل على اعتماد الطرق التجريبية التي تحاول اختبار بعض الفروض عن تفاصيل العملية الإبداعية وذلك بدراسة السرعات النسبية التي تتم بها عملية الإستبصارات الإبداعية ويعيب هذه الطريقة أن السلوك الإبداعي الذي ندرسه قد يكون مبسطاً ومصطنعاً وليس مماثلاً للأداء الفعلي . ثم تأتي أخيراً محاولة تمثيل العمليات الإبداعية من خلال إيجاد برنامج آلي يكون مماثلاً لسلوك الأفراد المبدعين حينما يكونون في حالة الاندماج في نشاط إبداعي فعلي فكما  لوحظ على بعض المبدعين فإن علامات الإبداع تجيء على شكل الشعور بالذهول وعدم الإستقرار الذي يصيب المبدع فيجعله مدفوعا بقوة خفية للتوصل إلى شيءما  يشعر به ولايستطيع تفسيره ويظل يدور حول هذا الموضوع حائرا قلقا  يشعر وكأن بداخله شيءما يتحرك  ويود البزوغ بطريقة معينة وقد قامت كاترين باتريك (C.Patrick) وهي عالمة نفسية درست نظرية التحقيق التجريبي التي أشار إليها والاس (Wallas)  والتي قسمت الإبداع إلى أربع مراحل هي  الإعداد والإحتضان  والإشراق والتحقيق وقد ناقشها زكريا ابراهيم في كتابه (مشكلة الإبداع الفني في مشكلة الفن) وفي المرحلة الأولى من الإبداع يتم جمع الخبرات  وتهيئة المهارات اللازمة للعمل الفني ، وتكون هذه المرحلة من أصعب المراحل لعدم وضوح الرؤية  بالنسبة للعمل الذي سيتكون والذي سيقوم به المبدع . المرحلة الثانية  هي مرحلة الإحتضان  وهي مرحلة تحتاج إلى جهد كبير لحل المشكلة التي يواجهها المبدع ، وفيها قد يصاب المبدع بحالة من اليأس والإحباط بسبب  عدم القدرة على حل طلاسم المشكلة الأساسية ، وقد ينصرف خلالها المبدع عن الإهتمام والتركيز على موضوع إبداعه ، ولكنه لايلبث أن يعود إليه بعد فترة من الركود  والسكون الظاهري، وحين يعود إلى العمل على موضوع إبداعه يكون ذلك بصورة أكثر إدراكا ووعيا بما يقوم به وهذا يعود إلى أنه حين انصرف عن التفكير في المشكلة التي حيرته فإنه إعطى ذهنه  قدرا كافيا من الإسترخاء والراحة  مما أتاح للدماغ استعادة النشاط اللازم للوصول إلى الهدف المطلوب.   تبدأ المرحلة ثالثة وهي مرحلة الإشراق  أو البزوغ  حيث تبزغ فكرة جديدة أو صورة مبتكرة  عللى شكل ومضة  تنير ظلام المرحلة التي يكون ذهن المبدع عليها  فيتمكن من رؤية ماكان خافيا عليه أو شبه ملتبس، وهو في هذه الحالة  يتوغل داخل الموضوع الذي  يود النفاذ إليه مصحوبا بالحدس الداخلي الذي يكون متوقدا في نفس المبدع الموهوب والذي يساعده على اكتشاف مالايراه الآخرون ، وهو بذلك  يزيل كل العوائق أمامه ويجعله مهيئا للإتصال بموضوعه والإلتحام معه في حالة من الإنفعال العميق  والتمازج القوي .   تأتي المرحلة الرابعة من الإبداع  وهي مرحلة التحقيق ، وهذه المرحلة لايصل إليها المبدع إلا بعد أن يكون قد انتهى من جميع المراحل الساقة ووصل بالعمل إلى منتهاه؛ أي أكمل جميع التفاصيل المتعلقة به  بحيث أصبح العمل منفصلا عنه مستقلا بذاته،  وهنا يأتي دور إعادة الترتيب أو إضافة بعض التحسينات أو اللمسات الضرورية لجعله يبدو أكثر بهاءً وإشراقاً ، وقد يعرض المبدع عمله على من يثق به لمعرفة رأيه به قبل نشره وعرضه ومن ثم قد يمارس عليه بعض التعيلات الأخرى هذه النظرة للإبداع الفني والأدبي تجعل من الأعمال الأدبية مجرد وثائق نفسية لا اعتبار فيها للقيم الفنية الخاصة التي تميز أي عمل فني ويعارض بعض العلماء فكرة تقسيم الإبداع إلى مراحل ويرون أن الإبداع يأتي نتيجة لإلهام مفاجئ  بحيث يصبح المبدع مجرد أداة يسيرها الإلهام ويقودها إلى غاية معينة ...ويكون ذلك بطريقة تلقائية عفوية لامجال فيها لتخطيط أو تدبير ...يونج مثلا يرى أن العمل الإبداعي  ينبع من أعماق اللاشعور وحين تتغلب القوة الإبداعية فإن الإرادة الفعالة  تستسلم لحكم الاشعور فتتراجع وتكتفي بالمشاهدة لما يتم من أحداث دون أن يكون لها رأي أو سلطة . وفي مقابل ذلك نجد أن من المبدعين أنفسهم  من يركز على أهمية الإرادة والفعل المقصود  ومنهم ( فان جوخ) الرسام الهولندي  المشهور الذي قال مرة لأحد أصقاءه إن ماينتجه من عمل  لايأتي وليد الصدفة وانما هو ثمرة لقصد حقيقي  ولنشاط إرادي. علماء الجمال الذين يميلون إلى الأخذ بالمنهج العقلي  يرون أن الإلهام لايلعب دورا كبيرا في عملية الإبداع  ، وأن العبقرية الفنية  ليست قوة خارجة عن نطاق العقل ، بل هي نتيجة لفعل صادر عن العقل المستنير الذي يمسك بزمام الأمور ويسخر قدراته ويستفيد منها على أكمل وجه.ومن هؤلاء  أوجين ديلاكروا(Delacroix) وهو رائد المدرسة الرومانتيكية في الرسم الذي  حاول أن يثبت بجميع الأدلة أن الإبداع  هو صنعة وإرادة وعمل متواصل وليس حدسا أو إشراقا يأتي من خارج النفس، وهو يرى أن تهيئة العمل الإبداعي تستلزم في كثير من الأحيان القيام بتضحيات جسيمة ، كما أن الأفكار تحتاج إلى مجهودات كبيرة لبنائها والمحافظة على استمراريتها  وزخمها. إن الإلهام والإرادة هما صنوان متلازمان في عملية الخلق الفني  فالإبداع كما يقول آريتي(S.Arieti) هو جامع للإصالة  والحرية والإلهام من جانب  والأصول المعرفية من جانب آخر.إذ لاإبداع بدون أصالة أو معرفة فهما متلازمتان  في عملية الإبداع الفني.

شمس المؤيد 

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية