الخميس، 22 سبتمبر 2011

حول الإقصائية ومحاربة الإبداع

إن كنت تقصد الإقصائية بشكل عام ورفض الآخر فهي موجودة في جميع المجتمعات ولكنها تبدو أكثر وضوحا في المجتمعات المنغلقة التي تأسَّست على القبليَّة والعشائرية والطائفية والشعوبيَّة .. وهي مشكلة عويصة وتحتاج إلى جهودبالغة من أجل تخليص المجتمعات المتضررة من أثقالها وسوآتها ...
وبالنسبة لإقصاء المبدع ومحاربته فلابد من الإشارة أولا إلى أسباب الخوف من المثقف المبدع ؛ حيث أن الإقصائية غالبا تنشأ عن فكر منغلق يرفض أي فكر جديد أو خلاَّق أو لايتفق مع ماهو موجود ومألوف ... ولذلك يتم رفض الفكر الإبداعي واعتبار المبدع مفسدا ضالا مارقا.... وبالتالي لابد من ترويضه وتدجينه أو كتمه وخنق صوته ...
القلق من فكر المبدع المثقف يأتي أيضا من كونه يحاور الواقع ويفضح الزيف ويزيح الستار عن النفاق والفساد في مجتمعه ويُظهر أمام العيون ما لايُراد له أن يظهر ..... مما يستدعي محاربته والتضييق عليه ..
محاولات إقصاء المبدع لها أسباب أخرى ـ خاصة بين المثقفين أنفسهم ومن يدعون الثقافة ـ ... هناك الحسد وعجز المنافسين عن مجاراةالمبدع في فكره ، لذا يتم إقصاءه و تأليب السلطة ضده ، وتثوير الرأي العام تجاه مايطرحه كوسيلة لحرمانه من نيل مكاسب الإبداع الفني أو الأدبي ..
وبشكل عام فإن المبدع في المجتمعات المتخلِّفة ثقافيا واجتماعيا .. وكذلك في مجتمعات تقاسي من اشتعال الثورات وتغيَّر الأيدلوجيات ـ يعاني من محاولات تدجينه وترويضه ، وإن لم يسخِّر إبداعه لإرضاء الآخرين يعاقب بالسجن والتشريد والإبعاد ..بل حتى بالإقصاء الجسدي ...
دوستوفيسكي ومنفاه الرهيب .. لوركا وعقوبة الإعدام .... وأمثلة لاتُحصى ...
وهناك الإقصاء بالنفي والحرمان من الهوية الوطنية .. وماأكثر المبدعين الذين طرودوا ويطردون من ديارهم كل عام أو يفرِّون منها ...
نصف مثقفي العالم العربي يعيشون في المهاجر والمنافي ...!
وأما تكميم الأصوات فما أكثر من يختفون وراء القضبان في سجون أوطانهم .. أو يُهددون بالمنع من ممارسة إبداعهم كل يوم ...أو يقرَّعون ويساء إليهم علناّ وفي الخفاء..
هي أمثلة حاضرة ومشهودة ..
كل ذلك يحدث وما مات الإبداع ولاانقطع ...
إبداع المبدعين يواصل انتشاره على مدى العصور بينما تختفي أسماء من حاولوا خنق إبداعاتهم وقتلها بشتى الطرق والأساليب ...
أما كيف يتسنى لنا القضاء على الإقصائية ؟ ... فلن يتم ذلك لابالحوار .. ولابتنقية المناهج وتغييرها .. ولا بتدبيج المقالات في الصحف ...
يحتاج الأمر إلى وقت وجهد كبير وإلى تغيير أنماط الفكر السائد ... وهذا قد يحتاج إلى إعادة تربية أجيالٍ بأكملها ..
وستبقى عمليات الإقصاء لرموز الفكر الإبداعي قائمة ، ولن تنتهي إلا حين تعي المجتمعات قيمة المبدع ودوره الفاعل في تطوير المجتمع الذي يعيش فيه وإعطائه قيمة وإسما ومكانة ..
و مهما كان الأمر فالمبدع الحقيقي لايستسلم ولايقبل الهزيمة ولاينكسر ... ويبقى رغم كل العوائق التي يضعها الآخرون في طريقه شمعة تضيء الدروب المظلمة وتوقظ العقول النائمة .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية