الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

الرومانسية هل انتهى عهدها؟

أديسون المخلص ..الذي لجزعه على أمِّه حين رفض الطبيب إجراء العملية الضرورية لها ليلاً لعدم وجود ضوء كافٍ.. ولخوفه من أنَّ تأخير العملية قد يقضي عليها أعمل ذهنه وأجهد نفسه لإيجاد طريقة تحيل الليل نهارا فلاتتوقف حركة الحياة مع موت آخر لحظات النهار .. ونجح أخيرا .. وبنجاحه تغيَّرت حياة البشرية كلها .. فهل يمكن لشخص كهذا أن يكون هو المسؤول الأول عن القضاء على الرومانسية في العالم ؟

.

أديسون لم يكن يعلمُ أن الليلَ يعني الرومانسية ... فماعرفناه أديبا ولاعاشقا .. وبالتأكيد هو لم يقصد أن يقتل الرومانسيَّة باختراعه العظيم ..

.

من أفقد العالم رومانسيته .. هي تلك الأوضاع الإجتماعية المضطربة في العالم .. وأطماع الساسة ونزعاتهم الإستعمارية .. وكثرة الحروب .. وتزعزع الإقتصاد الذي جعل لقمة العيش أكثر أهميَّة من طلْعة الحبيب ..

وهي بالأخص الحضارة الغربيَّة الماديَّة التي أعْلَت من شأن الجسد،وقلَّلت من قيمة المشاعر الجميلة ...

والأهم من ذلك هي المؤامرة الدنيئة على المرأة ...

تلك المؤامرة التي أفقدتها قيمتها وأزالت عنها غموضها الجميل ؛ فأصبحت مجرد وسيلة لترويج المنتجات .. بل وصارت هي ذاتها معروضةً في سوق الجسد ؛ فضاعت الرومانسية ، واختفت المشاعر الرقيقة وتحوَّل الحب إلى ممارسات رخيصة،وليس مشاعرا ثمينة تفجر الطاقات وتشحن المخيِّلة وتوقظ العواطف ...

لم يعد الحبٌّ مناجاة طيف الحبيبة ، ولاتقبيل جدران الديار التي تسكن بها ..

ولم يعد العاشق يقنع بالنظر إلى خيال محبوبته عن بعد .. أو بالعزف ليلاً على آلته الموسيقيَّة تحت نافذتها ....

الحب صارمطارداتٍ في الأسواق وترقيماً وملاحقاتٍ با"المسجات " إلى أن ينجح المُطارد وتستسلم الفريسة ...

وعاشق اليوم صار ماهرا في استدراج المحبوبة بشتى أنواع الإغراءات حتى تستسلم له فيلاحقها بالتهديد والإبتزاز ... او يفضح علاقتها به أمام الناس .....

حتى الشعراءُ أنفسهم وهم أهل الرومانسيَّة ومشرِّعوها توقفوا عن الكتابة حول الحب الأزلي والغرام الأولِِ .. وعن الحبيبة البعيدة المنال .. قصائدهم صارت حكايات مكشوفة عن غزواتهم الحسيَّة ... وأحاديثا عن أسرار لايصح البوح بها ... وبلغة واقعيَّة صريحة لاتمت للرومانسية بصلة ..

هكذا تحوَّل الحب إلى عصرالواقعيَّة ،وسقط عن عرشه المهيب ... ذاك الذي تعب رومانسيوا العهود الماضية في بنائه ..

فصار الحبُّ في زمننا حباً مكشوفاً عارياً بلا غطاء ...

وكلمات الأغاني ماعادت تتحدث عن هجر المحبوب ولاتشكو من قسوة الفراقٍ .. ولاتصف لوعة الحنين ...

تحوَّلت الأغاني إلى تهديد ووعيد للمحبوب إن لم يكفّ عن هجره .. أويتوقف عن مضايقاته المستمرَّة للحبيب ...!!

هكذا فقد القمر سحره على البشر ... وتحوَّل الليل إلى سهرات صاخبة وفوضى ..

أديسون ليس هو السبب في ضياع الرومانسية من هذا الكون ... ولا في هذاالخواء الذي أفقد البشر جميل المشاعر ورقيق الإحاسيس ...

بل إنَّ أديسون له فضلٌ كبيرٌ في الحدّ من السرقات الليلية ... فاللصوص كالشعراء يعشقون الليل ..!

كما كان لهذ الأديسون الفضل في رفع الأقنعة عن بعض الوجوه التي كانت تختبيء في الظلام فلا نراها وهي تمارس مهامَّها في الخفاء. ..!

وعلى كلٍ فالرومانسيَّة لم تنتهِ ..

فدائما ستبقى هناك أحاسيسٌ جميلة إنسانيَّة .. وقلوبٌ ومشاعرٌ نقيَّة ...

والمصابيح رغم سطوتها لم ولن تستطيع القضاء على أضواء الشموع الشاعريَّة...

والقمر مازال مكانه .. ومازال صديقاً للعشاق .. رفيقاً لهم .. حفياً بهم كلما عابثهم شوقٌ ، أوخالجهم حنينٌ للماضي الجميل ...







ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة الإلكترونية