الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

أثر النظريات المتعـدّدة على الروايـة الحديثـة

ارتبطت الرواية في مراحلها المبكرة ارتباطاً عضوياً مباشراً بثقافة العصور الوسطى السرديّة مع وجود طابع جدلي استخدم لأغراض مفترضة كالغرض التربوي، أو الغرض التبريري لبعض التغييرات الاجتماعية، سواءً ضد الطبقات الإقطاعية المنقرضة، أو لتأييد الطبقة البرجوازيّة الصاعدة، ولم يكن غريباً أن يقطع الروائي عملية القصَّ، ليفسِّر أو يشرح .. أو يقدّم بعض التبريرات والإيضاحات لتصرّفات الشخوص .. وقد لا يتوانى عن إيضاح الغرض الكامن من وراء كتابته لهذا العمل، لكي يضمن فهم القارئ له بالصورة التي يفهمها هو.
وحين ولدت الرواية الحديثة على أنقاض الإقطاعيّة، خرجت عن هذا الإطار وجاءت لتعبِّر عن الصراعات الأيديولوجيّة للبرجوازيّة، فقد تبنّت في مقاصدها الثورة على الرومانسية القديمة، وعملت بشكل خاص على الخروج على الإرث الثقافي للقرون الوسطى، مع الاستفادة من موروث الثقافة الإقطاعيّة في المجال الروائي.
وهكذا ظهرت الرواية التي تعبِّر بشكل كبيرعن المجتمع البرجوازي، وعن ذلك يقول لوكاش: "الرواية هي الشكل الأدبي الأكثر دلالة على المجتمع البرجوازي".
وجاءت الإسهامات المتعددة على صعيد نظرية الرواية بفضل الروائيين أنفسهم، عبر إبداعاتهم، الروائية أو عبر تنظيرات قام بها عدد من المنظرين لهذا الشكل الفني الحديث، ولو أن هذه التنظيرات لم تكن سوى محاولات تجريبيّة، وقد اهتم ريتشاردسون وفيلدينغ بتأسيس نوع جديد من الكتابة بوضع مساهماتهما في مجال التنظير وتأسيس قواعد جديدة تشكل قطيعة مع الرومانسية القديمة، ولكنهما لم يستطيعا وضع وصفٍ محدد للنوع الأدبي الجديد.
ثمَّ ظهر الروائيون الفرنسيون الذين بدأوا بالكتابة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وقد اتجهوا إلى نوع جديد من الكتابة سموه "الطبيعية" (Naturalisme) كمحاولة منهم لتعريف هذا المعنى تعريفاً يستند إلى أساس نظري .. وبالرغم من أنَّ فلوبير كان يُعد أحد أهم المعلِّمين في مدرسة الطبيعيين هذه، إلا أنه كان يرى نفسه كاتبا كلاسيكياً فرنسياً؛ لأنَّ النظرية الطبيعية تهمل الكثير مما كان يشكل أهمية رئيسية لديه كالتمسّك بالأسلوب والصناعة الواعية للعمل الأدبي الجميل.
أما موباسان فقد كتب تقريراً عن المدرسة الطبيعية في مقدمته الروائية ((بيراوجين)) كدليل على تمسّكه بها، كما أنَّ إميل زولا أشار في كتابه ((الرواية التجريبية)) إلى أن ما يكتبه الطبيعيون إنما هو "تصوير للبيئة يحدِّد ويكمِّل الإنسان".
وفي الواقع فإن النظرية الطبيعية لم تكتف فقط بتصوير الطبيعة أو التصوير الاجتماعي وإنما تجلَّت أيضا في تفجير العاطفة الموضوعية، مما جعل الرواية تحتوي على رؤية روائية واسعة وعنيفة.
الروائي الإيرلندي جورج مور أشهر من حمل لواء الدعوة لكل من التأثيرين الطبيعيين في انجلترا، كان هو الطبيعي الإنجليزي الوحيد وفقاً للمفهوم الفرنسي .. وقد تأثَّر بشكل خاص بكتابات إميل زولا .. وهو بدوره أثَّر على كتابات جيمس جويس فيما بعد.
ويمكن إجمال نظرية الطبيعيين للإنسان في عبارة لجورج مور تصدّرت روايته الثانية "(زوجة ممثل صامت) 1885 A Mummer’s Wife".
وهي كالتالي "غيِّر الظروف المحيطة بالإنسان وستجد في غضون جيلين أو ثلاثة أن بناءه الجثماني وعادات حياته قد تغيّرت".
وقد ألَّف "أميل زولا" أحد أبرز الكتَّاب الطبيعيين رواية طويلة تسجِّل تاريخ أسرة فرنسية متعاقبة الشخصيات هي أسرة (روجون ماكار) في عشرين رواية طويلة، هذه الشخصية التي قام بابتكارها وقدم من خلالها جزءاً كبيراً من التاريخ الفرنسي خلال الإمبراطورية الثانية.
وانتهى فيها إلى ما كان قد وصل إليه علم الوراثة في عصره من نتائج .. وهذا راجع إلى إيمانه بوجوب الانتهاء إلى نتائج تؤيدها العلوم فيما وصلت إليه. ولا تزال رواياته تمثل نماذج حية لمختلف جوانب الحياة الفرنسية بين عامي 1860 و1890.
لقد كانت الطبيعية هي المعادل الأدبي للتأثيرية في الرسم، وكان زولا عندما يصف مشهداً في إحدى رواياته يفعل ذلك على نحو يشبه الطريقة التي كان ممكناً للرسام الشهير "مونيه" أن يرسمه بها .. وكان اهتمام الطبيعيين ينصب على البيئة ولم يهتموا كثيراً بالتحليل النفسي للشخصيات.

الطفح الثقافي

أحد الكتاب الكبار في المنتديات النتيَّة يتساءل حول وجود نوع من " الطفح الثقافي" في مجتمعنا ، وهو وصف لاذع ولكنه ينطبق فعلا على هذا النوع من المتطفلين على موائد الثقافة في بلادنا. وفي الواقع توجد عوامل نفسية واجتماعية عديدة أدَّت إلى ظهور هؤلاء المتطفلين على عوالم الثقافة والفكر ، والذين هم في الواقع لايزيدون عن كونهم مجرد زبد وفقاقيع وطحالب .. لاعلاقة بينها وبين عالم الثقافة الرفيع المستوى .
أهم هذه العوامل هي الرغبة في الظهور والإشتهار بأي شكل كان ... يكتب الكاتب -أو الكاتبة - منهم رواية سخيفة مليئة بالإيحاءات والعبارات المثيرة للغرائز ،ويزحمها بأحداث مفككة .. رواية لاتعتمد على فكرة عميقة ، ولاتتكيء على أسلوب أدبي جميل ، يحلق في سماءالوهم الأجوف،بأنه صار منافسا لعباقرة الروائيين العالميين ...
وقد ينكبُّ على كتابة قصائد مهلهلة ، بلغة عربية ركيكة أو شعبية مبتذلة ، ثم يعلن نفسه شاعرا من فطاحلة الشعراء ...
وقد يخطر لبعضهم ممن يحب النقاش والمجادلة فكرة التنظير في مسائل فكرية أو ثقافية أو حتى بعض الأمور الفلسفية دون معرفة أو دراسة عميقة كافية لمايطرحه من فكر أو يتصدى للجدال حوله .
يأتي أيضا عامل حب التقليد للأسماء المعروفة ... وهو أمر لابأس فيه إن كان الكاتب يستند على مستوى معرفي مناسب وعلى خبرة كافية ... وليس أن يعتقد الكاتب أنه قادر على الإبداع أو على إبداء الرأي في المسائل الفكرية أو الأعمال الأدبية وهو في الحقيقة على مستوى كبير من الجهل ؛ بحيث لايشعربعيوبه وأخطائه ، فهذا هو العيب الشنيع...
البعض قد يعميه جهله فيصرُّ على أن مايكتبه هومنتهى الإبداع ، وقد يزيد من هذا الشعور بالتميز إحاطة زمرة من الجهلة به، يطبِّلون له ويزيِّنون له فعله فيزيد ذلك من الشعور بقيمته الأدبية .

والبعض من هؤلاء يكون قصده هوتسلية نفسه وإشغال وقته بالكتابة، وهذا ليس بعيب ،وليس من حق أحد أن يحجر على حق الكتابة ، أو يحدد خطوطها لأي كاتب ؛ فالكتابة حق للجميع وللكل حق التفكيروالإستنباط ، و حق ممارسة التجارب الأدبية ..
العيب كل العيب أن لايعرف الكاتب حدوده المعرفيَّة ، ولايستفيد من تجارب الآخرين ممن سبقوه ، وأن لايتعلم من أخطائه .
والواقع يقول أنَّ هؤلاء الذين يدخلون عالم الأدب من الباب الخلفي يعانون من جهل مركَّب لايمكن التخلص منه بسهولة ، وهم بطبيعتهم القانعة بماهم عليه لايجدون في أنفسهم أي رغبة في تطوير أدواتهم الكتابية أوالإرتقاء بفكرهم ...
ولذا يبقون كما هم عليه مهما كتبوا ومهما تشدقوا بفكرهم ومعرفتهم .
المؤسف أن هؤلاء هم من صاروا يجدون طريقهم إلى عالم الأضواء ، وهم من أصبحوا يتصدرون صحفنا ومنابر إعلامنا ، ومنتديات الفكر والأدب ، في غياب أصحاب الفكر السليم والمثقفين المتنازلين عن أدوارهم ، أو المستسلمين لما يتعرضون له من تجاهل وتغييب في كثير من الأحيان.
وبما أن هؤلاء الأدعياء هم مع الأسف أصبحوا أغلبية واضحة ، ولأنهم جاهزون لكتابة مايطلب منهم ، ومستعدون لتدبيج مايرونه إبداعا ويجدون القبول لما يطرحونه من هراء بإسم الإبداع ؛ فإنهم يكونون دائما في الواجهة ، وهذا مايزيد الأمر سوءاً، ويجعل هذه الطحالب تتكاثر وتصبح أكثر بكثير من " الهمِّ على القلب " كما يقول المثل العامي .

التشدق بلغات الغرب

التحدث باللغات الأجنبية ليس أمرا سيئا ... بالعكس علينا أن نتعلم اللغات الأجنبية ونتقنها لنتفاهم مع الشعوب الأخرى ونعرض عليهم قضايانا من وجهة نظرنا ...وأيضا فإن اللغة لسان جديد ... أوكما يقول الشاعر : (فكل لسان في الحقيقة إنسان )...أي اللغة الأجنبية تجعل الإنسان متعدد الوجوه والزوايا .. وتوسع فكره ومداركه .

تعلم شذرات من لغة ما واستعمال هذه الكلمات دون مناسبة ودون حاجة .. فقط لمجرد التباهي
والتفاخر هو ما ننتقده ونعجب منه .... خاصة وأن من يفعلون ذلك لايتقنون لغتهم الأصلية ولايحفلون بها .. بل وينتقون كلمات أجنبية ليعبرون بها عن معانٍ سهلة يمكن التعبير عنها باللغة العربية .
وجميل أن يكون الإنسان في مكان تتعدد فيه اللغات فهذا يجعل من تعلم اللغة أمرا سهلا ... فالتعلم بالممارسة أكثر فائدة من التعلم عن طريق الكتاب وسماع اللغة من معلمين ومعلمات لايتقنونها بشكل كافٍ.

أما بالنسبة للهجات الشعبية .. فهي ضرورة استدعتها ظروف الأمم المختلفة وتنقلاتهم وتجمعاتهم .. وهكذا ومن أجل تسهيل عملية التفاهم بينهم .. وتبسيط الكلمات التي يستخدمونها يوميا صار لكل مجموعة أو قبيلة أوأمة لهجتها الخاصة بها التي تشتمل على كلمات محرَّفة عن اللغة الفصيحة ... وكلمات أخرى مخترعة أو ولكن استعمال اللهجة الشعبية في الكتابة أو في الخطاب العام أمرٌ ليس بالمقبول .... إذ علينا جميعا أن نحافظ على لغتنا الفصحى نظيفة وسليمة من الزلل والخطأ والتغيير والتبديل .في الحقيقة أنا لاأقول أن التحدث باللغة الأجنبية أمر سيء ...بالعكس علينا أن نتعلم اللغات الأجنبية ونتقنها لنتفاهم مع الشعوب الأخرى ونعرض عليهم قضايانا من وجهة نظرنا ... وأيضا فإن اللغة لسان جديد ... أوكما يقول الشاعر : (فكل لسان في الحقيقة إنسان )...أي اللغة الأجنبية تجعل الإنسان متعدد الوجوه والزوايا .. وتوسع فكره ومداركه .

تعلم شذرات من لغة ما واستعمال هذه الكلمات دون مناسبة ودون حاجة .. فقط لمجرد التباهي
والتفاخر هو ما ننتقده ونعجب منه .... خاصة وأن من يفعلون ذلك لايتقنون لغتهم الأصلية ولايحفلون بها .. بل وينتقون كلمات أجنبية ليعبرون بها عن معانٍ سهلة يمكن التعبير عنها باللغة العربية .
وجميل أن يكون الإنسان في مكان تتعدد فيه اللغات فهذا يجعل من تعلم اللغة أمرا سهلا ... فالتعلم بالممارسة أكثر فائدة من التعلم عن طريق الكتاب وسماع اللغة من معلمين ومعلمات لايتقنونها بشكل كافٍ.

أما بالنسبة للهجات الشعبية .. فهي ضرورة استدعتها ظروف الأمم المختلفة وتنقلاتهم وتجمعاتهم .. وهكذا ومن أجل تسهيل عملية التفاهم بينهم .. وتبسيط الكلمات التي يستخدمونها يوميا صار لكل مجموعة أو قبيلة أوأمة لهجتها الخاصة بها التي تشتمل على كلمات محرَّفة عن اللغة الفصيحة ... وكلمات أخرى مخترعة أو ولكن استعمال اللهجة الشعبية في الكتابة أو في الخطاب العام أمرٌ ليس بالمقبول .... إذ علينا جميعا أن نحافظ على لغتنا الفصحى نظيفة وسليمة من الزلل والخطأ والتغيير والتبديل .

اللغة العربيّة أمنا.. كيف نعقٌها؟

اعتبار اللغات الأجنبية أهم وأجمل من لغة الإنسان الأولى يدل على شرخ كبير في التربية والثقافة والتكوين ، لأن من عادة الشعوب الأصيلة تاريخا وثقافة ووعيا أن تعتز بلغتها وبكل مايتعلق بها من تراث ...وقد عايشت بنفسي من خلال اغترابي الطويل ومعاشرتي للشعب الألماني لفترة طويلة مدى اعتزاز أبناء هذا الشعب للغتهم ...اعتزازا يبلغ حد التعصب ... فالألمان مثلا لايأخذون مسميات مايصلهم من الخارج من اختراعات وتقنيات كما هي ، بل يطلقون عليها أسماءً ألمانية صرفة تدل على صفتها أو خاصيتها ... التلفزيون مثلا يدعى عندهم (Fern sehen) .. وذلك يعني حرفيا : النظر البعيد ، أو مايُنظر إليه عن بُعد ....
والتليفون يدعى : (Fern Sprecher) ... أي التحدث عن بُعد ... أو التحادث مع البعيد ...
ومعروف عن الألمان أنهم لايتكلمون مع الأجنبي بأي لغة أجنبية إذا اكتشفوا أنه يجيد لغتهم ...علما بأن معظمهم يجيد اللغة الإنجليزية .. وعدد كبير منهم يعرف لغات أخرى مثل الفرنسية والأسبانية والإيطالية ... وهي لغات يستفيدون منها في أسفارهم وسياحتهم وتعاملاتهم مع الأجانب ...ولكنهم لايفضلونها على لغتهم ولايتفاخرون باستخدامها .
عدا ذلك فالأفلام الأجنبية ...الأمريكية والفرنسية وغيرها تدبلج إلى اللغة الألمانية ولاتترجم كما هو الحال لدينا ... وهناك أمثلة أخرى كثيرة ....وبالتالي حتى الأجنبي يضطر إلى تعلم اللغة لكي يستطيع فهم مايدور حوله .
ومن يجيد اللغة الألمانية يستطيع أن يخبركم بأنها لغة ثقيلة النطق وتعتمد كثيرا على الإشتقاقات .. بحيث تتعدد المعاني المشتقة من أصل واحد ...

والقصد أنها ليست بجمال اللغة العربية في عذوبتها وثرائها من ناحية كثرة مفرداتها وتعدد المسميات للشيء الواحد .... ومع ذلك فهي محل فخر وتقدير أهلها .
وبالمناسبة فإنَّ معظم الألمان يتحدثون مع الأجانب باللغة الفصحى ... ويستخدمون العامية فقط فيما بينهم ...

ماسردتُه هنا كان فقط لتوضيح كيف تعتزُّ الشعوب المختلفة بلغاتها ولاتفرِّط فيها ..

نحن بحاجة إلى غرس حب اللغة العربية في نفوس أبنائنا وبناتنا ، وتسهيل طرق تعلمها ، كما نشعرهم بأنها لغة القرآن والتاريخ ولغة العروبة كلها ...وهناك حديث ينسب إلى رسولنا صلى الله عليه وسلَّم يقول : ( يا أيها الناس إن الرب واحد ، و الأب واحد ، وليست العربية بأحدكم من أب أو أم ، وإنما هي اللسان ،فمن تكلم العربية فهو عربي ).. ومهما كان الإختلاف حول هذا الحديث ، فالقصد هوأن لغتنا ا هي اللغة التي يتعلمها المسلمون من غير العرب لكي يقرأوا بها القرآن الكريم ويتعلمون معانيه وأسراره ... وهي اللغة التي يحرص المستشرقون الغربيون على تعلمها من أجل التعرف على أفكارنا وأحوالنا .. وبعض من تعلموا العربية من غير المسلمين اعتنقوا الإسلام ، لفهمهم الكامل له عن طريق معرفة لغة الرسالة التي جاء بها نبي هذه الأمة العربي الأمي صلى الله عليه وسلَّم .

اللغة أمٌ .. ومن يتنصل لأمِّه فهو عاقً ، ولغتنا العربيَّة هي أمُّنــا، غير جدير بأن يكون إبنا لهذه الأم العظيمة .


لنكافح جميعا من أجل إعلاء شأن هذه اللغة ، ولنقاوم بكل مالدينا من قدرات وإمكانيات لكي نعيد لهذه اللغة الجميلة مكانتها، ونزيل عنها أسباب الضعف والفتور والقصور.

أسباب الضعف في اللغة العربية

يقول الأستاذ الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي رحمه الله : " ما ذلّت لغة شعبٌ إلاّ ذلّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ ".

نعم عزنا من عزة لغتنا ، وعلينا جميعا أن نحافظ عليها بكل مانستطيع من جهد .
ولكي نعرف أسباب ضعف معظم العرب بما فيهم الكتاب وبعض المثقفين فلا بدلنا من التساؤل عن من يكون المسؤول عن هذا الضعف اللغوي ... ولابد لنا أن نستعرض مانعتقد أنه السبب ي هذا الضعف .... هل هي مناهجنا العقيمة التي تجعل الطالب يشعر بأن لغة الآباء والأجداد هي لغة ثقيلة وصعبة لايمكن فك ألغازها ولاحل طلاسمها ؟.... أم هم المعلمون الذين هم أصلا غير متمكنين من اللغة التي يعلمونها ، وبالتالي هم ينقلون ماتعلموه في مدراسهم بكل الأخطاء والعلل التي صاحبت تعلمهم إلى طلابهم ، وهكذا تنشأ أجيال جديدة لاتحسن القراءة والكتابة بل ولا حتى نطق الكلمات الفصيحة بشكل صحيح ... ؟
ومن يتابع مذيعي قنواتنا المحلية يكتشف ذلك ... فالكلمات والمسميات تنطق بأشكل وطرق مختلفة ..

ثم هناك الإنصراف عن القراءة ... وهي الوسيلةالأولى للعلم والمعرفة ، وهي تؤدي لإتقان اللغة ومعرفة قواعدها وصرفها ونحوها وكيفية كتابتها ....
المكتبة في مدارسنا مفقودة ...
والمعلم لايوصي طلبته بقراءة أي كتاب نافع ...
ومكتباتنا شحيحة ومحدودة ....
ومعارض الكتب السنوية تحاط بهالة إعلامية زائفة ..وهناك منعٌ للكثيرمن الكتب ومحاصرة وتضييق على الزوار والراغبين في الشراء والمتطلعين لرؤية الإصدارات الجديدة .. وغالبا مايكون التركيز في هذه المعارض على الأدوات وألعاب الأطفال التعليمية والصور والأشرطة وغير ذلك .. ربما لأنها تخلو من المنع والمصادرة والتشديد .!
ثم تلك الحفاوة باللهجة العاميَّة وبشعرائها وفتح المجالات أمامهم لينشروا شعرهم ومساجلاتهم باللغة العامية الركيكة.

وبعد هذا كله كيف لكتَّابنا أن يجيدوا لغتهم ويتقنونها ، وهم لم يتعلموها بشكل صحيح وسليم ... وهم لايقرأون ولايهتمون بتثقيف أنفسهم وتطوير معارفهم عن طريق الإطلاع الدائم.
وهم يرون غيرهم يشتهر وينجح في مجال العامية ... ؟

إن أردنا إنقاذ لغتنا العربية مما وصلت إليه من ضعف وتدهور ونحدارفلابد لنا أولا من الإهتمام بمناهجنا الخاصة باللغة العربية اهتماما كبيرا .... وذلك بتسهيل قواعدها وتيسير تعلمها والإكثار من التطبيقات ومن الأمثلة .. بالإضافة إلى العناية بالنصوص الأدبية والمحفوظات ومواد النقد البلاغة بتطويرها واختيار نصوص حديثة قريبة من عقليات الطلاب وملائمة للعصر الذي يعيشون فيه .

كذلك الإهتمام بتطوير المعلمين والمعلمات عن طريق الدورات التدريبية المكثفة لعلاج العيوب والأخطاء وتزويدهم بالطرق الصحيحة في تعليم اللغة ...

وعلى المدارس أن تهتم بغرس حب القراءة في نفوس الطلاب والطالبات بتشجيعهم على القراءة الحرة ، وتجهيز مكتبات المدارس بالكتب الجيدة المناسبة للمستويات المختلفة للطلاب .

أيضا المسابقات الثقافية في المدارس والمعاهد والتركيز على مايخص اللغة وآدبهالها دور كبير في تحبيب الطلاب والطالبات في لغتهم مما يسهم في تحسين مستوياتهم ..

ولابد للأهل أيضا من تشجيع أبنائهم وبناتهم على القراءة النافعة واقتناء الكتب الجيدة ؛ فبالقراءة المتواصلة يمكن تنمية حسن لغوي جيد ، بحيث يتمكن الشخص القاريء من معرفة الأخطاء وتجنبها ...

المثقف المختلف

المثقّف عندنا غائب عن المجتمع بعيد عن مشاكله وهمومه ، وبالتالي لانعرف له دورًا ولانشعر بأنَّ له مهمّة واضحة . في جميع أنحاء العالم يتحرك المثقفُّون من أجل قضايا مجتمعهم الخاصة والعامة .. ويصمت المثقّف في بلادنا ويكتفي بحضور المناسبات والأمسيات الأدبيّة . مثقفونا عادةيتحدثون بما لايفهمه عامةالشعب .. يكتفون بالتخاطب فيما بينهم بلغة أكاديمية خاصّة بهم ... يتفاخرون بقراءات لكبار كتاَّب العالم من أجل إبراز تفوقهم وتميِّزهم ...أو ينزوون بعيدًا عن مشاكل مجتمعهم منشغلين بأمورهم الخاصة .
وبين الإنكفاء على الذّات ، وحضور الأمسيات الأدبيّة، وإشعال الخلافات مع المخالفين في الرأي بين الحين ينشغل المثقفون أوربما يتم إشغالهم ...
يختفون داخل أبراجهم العاجيَّة ويظهر بعضهم بين حين وآخرللإحتجاج على تجاهلهم في الترشيح للمحافل الثقافية، أو للمطالبة بحقوقٍ يعتقدون أنها تخصُّهم دون غيرهم ....

البعض يقول أن المثقف عندنا مغيَّبٌ قصدا وعمدا .. وهناك من يقول أنَّ المثقفون منعزلون برغبتهم لأنهم لايجدون لهم مكانا في المجتمع يناسبهم ... وهم في أحوال عديدة يُجابهون إماَّ برفض أو تجاهل ما يقدمونه .. أوبالحجر على أفكارهم ...أو غير ذلك ، مما يشعرهم بعدم تقدير المجتمع لهم ولإبداعاتهم .

المثقف في جميع الأحوال مطالبٌ بالخرج من قوقعته .. والإختلاط بالمجتمع ، لأنه هو من يستطيع التعبير عن هموم هذا المجتمع وعن مشاكله .. ولاعذر لأي مثقف في الهروب والإنعزال مهما كانت الأسباب والمبررات .

مع ذلك لا بد من القول بأن المثقَّف العربي والمحلِّي بشكل خاص يشعر بالغُبن في مجتمعه ، ويعاني من ضغوط كثيرة وثقيلة ، تجعله يفضل الإنعزال عن المجتمع والإنشغال بهمومه الخاصة .
هذاالمثقف بصمته وابتعاده يبدو وكأنه يقول : مادام لاأحدٌ يريد أن يستمع لي فلماذا أرفع صوتي ؟...
هناك شيء آخر ومهم وهو أن من نطلق عليهم لقب المثقفين ليسوا جميعا ممن يستحقون هذه الصفة ... فالكثير منهم مجرد أدعياء ثقافة لايملكون من الثقافة إلا قشورها .. وهؤلاء هم الذين يشوهون سمعة الثقافة والمثقفين بأفعالهم وغوغائيتهم وتلونهم ونفاقهم ...
وهؤلاء هم من نراهم ونسمع أقوالهم ونتابع خلافاتهم ومعاركهم الشخصيَّة التي لاعلاقة لها بالهمِّ الثقافي ولا بالشأن الإنساني
.
أما المثقفون الحقيقيُّون الذين يهمهم شأن الوطن وتؤلمهم الأوضاع المحيطة بهم ، فإنهم يقبعون هناك بعيدا عن الأنظار والأسماع ...

قد نراهم بين حين وآخر من خلال عمل أدبي جديد.. أونسمعهم يدلون على استحياء برأي في موضوع ما طلب منهم المشاركة برأيهم فيه ..
هذا هو حال مثقفينا للأسف ..
ولكن هل اللوم يقع عليهم وحدهم .؟؟
المثقف يحتاج إلى المناخ الجيد لينتج ويعبِّر ويخدم مجتمعه ويطمح إلى الشعور بالتقديروالإهتمام به وبأوضاعه وهذا يشعره بالراحة.. كما أنه بحاجة كاملة إلى حرية التعبير
وإذا توفرت له كل هذه المتطلبات فسيكون المردود عملا جادا مثمرا .. وبالتالي سوف يتفاعل مع مجتمعه بشكل كامل ويخدم قضاياه بإخلاص ووعي ويتواصل مع أفراده وجماعاته بصورة سليمة كفرد وكمبدع .


الرومانسية هل انتهى عهدها؟

أديسون المخلص ..الذي لجزعه على أمِّه حين رفض الطبيب إجراء العملية الضرورية لها ليلاً لعدم وجود ضوء كافٍ.. ولخوفه من أنَّ تأخير العملية قد يقضي عليها أعمل ذهنه وأجهد نفسه لإيجاد طريقة تحيل الليل نهارا فلاتتوقف حركة الحياة مع موت آخر لحظات النهار .. ونجح أخيرا .. وبنجاحه تغيَّرت حياة البشرية كلها .. فهل يمكن لشخص كهذا أن يكون هو المسؤول الأول عن القضاء على الرومانسية في العالم ؟

.

أديسون لم يكن يعلمُ أن الليلَ يعني الرومانسية ... فماعرفناه أديبا ولاعاشقا .. وبالتأكيد هو لم يقصد أن يقتل الرومانسيَّة باختراعه العظيم ..

.

من أفقد العالم رومانسيته .. هي تلك الأوضاع الإجتماعية المضطربة في العالم .. وأطماع الساسة ونزعاتهم الإستعمارية .. وكثرة الحروب .. وتزعزع الإقتصاد الذي جعل لقمة العيش أكثر أهميَّة من طلْعة الحبيب ..

وهي بالأخص الحضارة الغربيَّة الماديَّة التي أعْلَت من شأن الجسد،وقلَّلت من قيمة المشاعر الجميلة ...

والأهم من ذلك هي المؤامرة الدنيئة على المرأة ...

تلك المؤامرة التي أفقدتها قيمتها وأزالت عنها غموضها الجميل ؛ فأصبحت مجرد وسيلة لترويج المنتجات .. بل وصارت هي ذاتها معروضةً في سوق الجسد ؛ فضاعت الرومانسية ، واختفت المشاعر الرقيقة وتحوَّل الحب إلى ممارسات رخيصة،وليس مشاعرا ثمينة تفجر الطاقات وتشحن المخيِّلة وتوقظ العواطف ...

لم يعد الحبٌّ مناجاة طيف الحبيبة ، ولاتقبيل جدران الديار التي تسكن بها ..

ولم يعد العاشق يقنع بالنظر إلى خيال محبوبته عن بعد .. أو بالعزف ليلاً على آلته الموسيقيَّة تحت نافذتها ....

الحب صارمطارداتٍ في الأسواق وترقيماً وملاحقاتٍ با"المسجات " إلى أن ينجح المُطارد وتستسلم الفريسة ...

وعاشق اليوم صار ماهرا في استدراج المحبوبة بشتى أنواع الإغراءات حتى تستسلم له فيلاحقها بالتهديد والإبتزاز ... او يفضح علاقتها به أمام الناس .....

حتى الشعراءُ أنفسهم وهم أهل الرومانسيَّة ومشرِّعوها توقفوا عن الكتابة حول الحب الأزلي والغرام الأولِِ .. وعن الحبيبة البعيدة المنال .. قصائدهم صارت حكايات مكشوفة عن غزواتهم الحسيَّة ... وأحاديثا عن أسرار لايصح البوح بها ... وبلغة واقعيَّة صريحة لاتمت للرومانسية بصلة ..

هكذا تحوَّل الحب إلى عصرالواقعيَّة ،وسقط عن عرشه المهيب ... ذاك الذي تعب رومانسيوا العهود الماضية في بنائه ..

فصار الحبُّ في زمننا حباً مكشوفاً عارياً بلا غطاء ...

وكلمات الأغاني ماعادت تتحدث عن هجر المحبوب ولاتشكو من قسوة الفراقٍ .. ولاتصف لوعة الحنين ...

تحوَّلت الأغاني إلى تهديد ووعيد للمحبوب إن لم يكفّ عن هجره .. أويتوقف عن مضايقاته المستمرَّة للحبيب ...!!

هكذا فقد القمر سحره على البشر ... وتحوَّل الليل إلى سهرات صاخبة وفوضى ..

أديسون ليس هو السبب في ضياع الرومانسية من هذا الكون ... ولا في هذاالخواء الذي أفقد البشر جميل المشاعر ورقيق الإحاسيس ...

بل إنَّ أديسون له فضلٌ كبيرٌ في الحدّ من السرقات الليلية ... فاللصوص كالشعراء يعشقون الليل ..!

كما كان لهذ الأديسون الفضل في رفع الأقنعة عن بعض الوجوه التي كانت تختبيء في الظلام فلا نراها وهي تمارس مهامَّها في الخفاء. ..!

وعلى كلٍ فالرومانسيَّة لم تنتهِ ..

فدائما ستبقى هناك أحاسيسٌ جميلة إنسانيَّة .. وقلوبٌ ومشاعرٌ نقيَّة ...

والمصابيح رغم سطوتها لم ولن تستطيع القضاء على أضواء الشموع الشاعريَّة...

والقمر مازال مكانه .. ومازال صديقاً للعشاق .. رفيقاً لهم .. حفياً بهم كلما عابثهم شوقٌ ، أوخالجهم حنينٌ للماضي الجميل ...







الكتابات الإلكترونية

مايتمّ الحديث عنه هذه الأيّام كلغة الكترونيّة القصد منه الإشارة إلى الشبكة الإلكترونيّة التي أتاحتها لنا التقنيات الحديثة ، والتي يمكن أن تكون لغة تآلف وتقارب بين الناس .. ولكنها أحيانا تكون لغة مخادعة ..لغة يغترُّبها الكثيرون ويسقطون في حبائلها المنصوبة لهم بمهارة .

أما الإحساس الإلكتروني فلا أظن أن هناك إحساسٌ غير إنساني .....

إن كان القصد هو  تلك المشاعر التي تحرِّكها كتاباتٌ ذات صبغة رومانسيَّة مؤثِّرة في عالم المنتديات ،فأظنها طبيعيَّة مالم تتجاوز حدودها وتخرج عن عالم النت إلى عالم الواقع حيث تصطدم الحقيقة بالخيال.

مع الأسف هناك من يجعل من كلماته الناعمة طعماً للإصطياد .... وهناك من تتأثر روحه بقراءة الكلمات العاطفيَّة فيصدِّقّّها ... وغالباً مايكون هؤلاء من : العذارى اللواتي قلوبهنَّ هواءُ...


أما الحب المفضوح على سطور الروا

وأكرِّر أنّه إذا كانت الكتابة فقط من أجل الفضح وكشف المستور ليس إلاَّ فهي مرفوضة أدبياً وفنياً وأخلاقياً ... هي روايات القصد منها التكسُّب والإشتهار دون عناء ...

رواياتٌ يمكن تسميتها بأدب (اللاأدب ) .... وهو أدبٌ بلاقيمة فنيَّة ..ومصيره الإندثار السريع ..



سؤالك حول الرواية الصحفيَّة أعتقد أنك تقصدين الرواية التقريريَّة المباشرة .... وروايات كهذه لاتدل على موهبة روائية ، وإنما تشير إلى أنَّ بداخل كاتبها مايريد أن يقوله دون لوم أو محاسبة ، فيستخدم الرواية كغطاء لذلك ...

وهذا بالفعل ماهو حاصلٌ في ميدان الرواية المحليَّة للأسف .


أما بالنسبة للنقد فلاأعتقد أن هناك ما يمكن أن أقوله فقط لمجرد النقد ....


وأقول للأقلام المبدعة استمري في عطائك ولاتحبطك الآراء الناقدة دون هدف ... واستفيدي من النقد الهادف ، فهو وسيلة لمعرفة النقص وتلافيه .. .

بالنسبة لتقليد الكتَّاب الناشئين للكتاب الكبار .. فالمحاكاة طبيعة بشريَّة .. ومراحل التعلم تبدأ أصلا بالمحاكاة والتقليد .. ولابأس بمحاولة تقليد المبدعين في مرحلة التأسيس والتمرين .. ولكن لابدَّ للكاتب أن يستحدث لنفسه أسلوبه الخاص الذي يتميز به فيمابعد.. أما استمرار التقليد فيدل على عدم وجود موهبة حقيقيَّة لدى الكاتب .

لغة العيون

لغة العيون لغة معبِّرة وفصيحة وناطقة وإن كانت لاتستعمل الحروف .... وهي لغة صادقة لاتكذب أبدا .... يكذب اللسان ولكن العيون لاتعرف كيف تكذب ...

إنها لغةالفضح ، فهي تكشف عن الدواخل وتفشي الأسرار ....

أحد الشعراء قال فأحسن :

قد تخون المحبُّ بنتُ شفاهٍ
وحديثُ العيون ليس يخون


.... وحين تشتعل العواطف تكون لغة العيون أكثر وأقوى تعبيرا ...
وهي تقوم بمهمة التخاطب حين تتعطل لغة الكلام ... كما شرح لنا أمير الشعراء ..

وعندعمر بن أبي ربيعة دليلٌ يشهدُ بفضح النظرِ للمشاعر إذ يقول :


و لا قربَ نـعـمٍ إن دنـت لك نافـــعٌ
ولا نأيهـُـــا يثنـــي ولا أنت تصـبرُ
إذا جئتَ فأمنح طرفً عينيك غيرنا
لكي يحسبوا أن الهوى حيثُ تنظرُ


وبماأنَّ الحوار اتخّذ منحى آخر ... فلابدَّ أن استغلَّ الفرصة لألقي عليك سؤالاً مهماً وله علاقة وثيقة بالأدب والإبداع .. خاصة بالشعروالإلهام .... ولكن لابدَّ من مقدمة صغيرة ..

نحن نعرفُ أنَّ معظم الشعراء وكتاب الرومانسيات ترتبط أسماؤهم بأسماء محبوباتٍ ملهماتٍ ....

والأمثلة كثيرة وعديدة : قيس وليلاه ... جميل بثينة .. كثير عزة ....

وفي العصر الحديث سمعنا وقرأنا عن حكايات جبران ومي زيادة ... وعن غرام بدر السياب بالشاعرة لميعة عمارة ... واطلعنا على رسائل العشق بين غسان كنفاني وغادة السمان ...
كما قرأنا ماذكرته الأديبة العراقية ديزي الأمير عن علاقتها بالشاعر المنتحر خليل الحاوي ...
وهناك قصصٌ أخرى كثيرة ...

اللغات ودورها في حياة الأمم

اللغة هي وسيلتنا للتواصل والتفاهم كلغة منطوقة أومكتوبة ... وهي وسيلتنا للتعبيرعن مابدواخلنا من أفكار ومشاعر ..
واللغة هي أهم منحة أنعم الله سبحانه وتعالى بها على البشر ... فمنذ أن علَّم الله سبحانه آدم الأسماء كلها ، صارت اللغة هي وسيلة التخاطب والتواصل بين البشر بمختلف أنواعهم .. وحتَّى بعد أن تناسلت اللغة كما تناسل البشر واتسعت وتنوعت وتغيرت بتغير أماكن الناس وتجمعاتهم ... فإنَّ اللغة بقيت هي وسيلة البشر لفهم بعضهم البعض ...
اللغة تصبح جزءا من كيان الإنسان منذ أن يتعلم حروفه الأولى وحتى الممات ....
تمتزج بنا اللغة طوال فترة يقظتنا .. وحتى تفكيرنا يتم بواسطة اللغة .. جرِّب التفكير في شيء ما ،وكن واعياً لعملية التفكير فستجد أن حروف إسم هذا الشيء أومايدل عليه تقفز إلى ذهنك مباشرة .....
فقط أحلامنا الليلية هي التي تخرج من أسرِ اللغة فتكون رموزا لاحروفاٌ ... ربما لأنها لغة اللاوعي ... والوعي لايتعامل بالحروف والكلمات بل بالرموز ....
وقد شغلت علوم اللغة جزءا كبيرا من بحوث العلماء المختصين فوضعوا لها قواعداً وأسساً وأنظمة ... كما انشغل بعض المفكرين بدراسة اللغة أسلوبا وشكلا وبنيةً ... فظهرت مصطلحات مثل البنيوية .. والألسنية .. والتفكيكيَّة الخ .. وهي مصطلحات علمية أدبية فلسفية تعالج قيمة النصوص الأدبية عن طريق دراسة اللغة المكتوبة بها وتشريحها وتحليلها وتفكيكها .....
بل إنَّ اللغة استخدمت كوسيلة علاج بعض المشاكل النفسية .... من ذلك لغة "ميلتون أريكسون " التي هي عبارة عن نماذج لغوية تساعد على التواصل مع اللاشعور وبالتالي التعرف على المشكلات .. والتخلص من الأزمات النفسيَّة .....
ومع أن لغات البشر تغيَّرت وتنوَّعت فإنَّ هناك لغةً شاملةً لم تتغيَّر ...تلك هي لغة الإنسان الأولى ... هي لغة المشاعر ولغة الإنفعالات الإنسانية .... وهذه اللغة مفهومة لدى جميع البشر في كل بقاع الأرض .... تعكسها لغة التعبيرات الجسدية التي تصف الإنفعالات الداخلية عند البشر ... فهم جميعاً يضحكون من المواقف المضحكة .. ويبتسمون حين يكونون سعداء .. وتتساقط دموعهم وتتقلص ملامحهم في حالة الحزن والألم ... يتم ذلك لدى كل البشر بطريقة متشابهة ..
كما أنَّ أبناء البشر يعبِّرون بإشارات اليد وحركات الوجوه عن مشاعرالإستياء والضيق والبهجة والخوف والترقب بشكل واحد ....وحين يعجز التفاهم باللغة تؤدي الإشارات دورها ...
هذه اللغة تسمى" لغة الجسد " وهي لغة مشتركة بين أبناء البشر .. وفي عصرنا هذا أصبحت علماً يُطبَّق في تحليل أنماط الشخصيات ومعرفة نواياها الخفيَّة عن طريق مراقبة الحركات والتصرفات التي تصدر عن الأشخاص دون وعي منهم ...
واللغة المشتركة التي تجمع بين الشعوب الناطقة بها تمنحهم هويَّتها وسماتها ... فيقال "الشعب العربي " ... لجميع الشعوب الناطقة باللغة العربية رغم اختلاف السياسات والأهداف واللهجات بين هذه الشعوب ...
ويقال "الأدب الفرانكفوني " إشارة إلى أدب وثقافة الشعوب التي تنضوي تحت راية الثقافة الفرنسية ... وهكذا ..
ونعرف كلُّنا أن من مبادئ الإحتلال في جميع أنحاء العالم إحلال لغة المحتَلُّ مكان اللغة الأصلية لأهل البلاد المحتَّلة .. فمعرفة لغة الغاصب والتفاهم بها يقرب المسافات بين الغاصب والمغتصب ...!
كما أنَّ إضعاف لغة الشعوب يساهم في إضعاف بنيتهاويسهل إحكام السيطرة عليها ...وذلك بممارسة «مبدأ التبعية الفكرية» التي يسميها عالم الاجتماع ابن خلدون رحمه الله «نِحلة الغالب».
شاعر صَقَلِّيٌ جميل اسمه "أجنازيا بوتينا" طرق هذا الموضوع بأبياتٍ معبِّرةِعثرتُ عليها فأعجبتني ، وتدور حول اللغة حين تُسلب من أصحابها :
وهي من قصيدة رائعة بعنوان: "لغة وحوار" :

ضع شعبًا في السلاسِل
جرِّدهم من مَلابِسهم
سُدَّ أفواهَهم
لكنَّهم ما زالوا أحرارًا
وجَوازات سفرِهم
والموائد التي يأكُلون عليها
والأَسِرَّة التي يَنامُون عليها
لكنَّهم ما زالوا أغنياء
إن الشعب يفتقر ويُستعبَد
عندما يُسلَب اللسان الذي ترَكَه له الأجداد
وعندئذٍ يضيع للأبد
.
إنه يصف الشعوب التي تُحارب في لسانها وتراثها وهما أثمن مالدى أي شعب في أي مكان ..
.
حين قرأتُ هذه الأبيات شعرتُ وكأنَّ هذا الشاعر هو النسخة الإيطاليَّة من الشاعر العراقي الكبيرأحمد مطر .......

هل نعاني من ندرة المفكرين في بلادنا ؟

أرضنا لاعلاقة لها بهذا التقزُّم الفكري .... فيما مضى كان لدينا علماء ومفكرون وفلاسفة ومخترعون في مجالات متعددة ...ولم يتوقف التفكير إلا حين بدأت القوى المتسلطة في محاربة الفكر وإيذاءالمفكرين وسجنهم ومضايقتهم بشتَّى الطرق والوسائل ... واستمر الحال على ذلك حتى غاضت منابع الإبداع وجَّفت مسارات الفكر ... وهكذا .. وبسبب اختفاء الفكر على مدى السنوات وصلنا إلى مانحن عليه الآن من تأخر في جميع مجالات الحياة ....
فجأة انتبهنا إلى حجم الكارثة ... بحثنا ودرسنا واكتشفنا أنَّ طرق التعليم التي اقتبسناهامن غيرنا والتي تعتمد على التلقين والحفظ دون وعي ولافهم ولاأي محاولة لإشراك الفكر فيها كانت إحدى الأسباب الهامة في مأساة اضمحلال الفكر عندنا ....
نعم المؤسسات التعليمية عندنا هي أكبر أعداء للتفكير ؛ فالتعليم الذي يعتمد على التلقين وتمرير المعلومات من المرسٍل إلى المستقبل دون حاجة إلى إشغال خلايا المخ وعصيباته أو إرهاقها بعمليات التفكير المعروفة : كغربلة المعلومات وتحليلها واستخلاص النتائج وإيجاد الحلول لبعض المشكلات .. هذه الطريقة في التعليم تلغي دور العقل الذي وهبنا إياه الله تعالى وأمرنا باستخدامه...
... بالإضافة إلى ذلك تأتي التربية الخاطئة التي تعتمد على : استمع .. أطع ...نفِّذ .... لاتفكر بل نفذ مايريده الآخرون .... وهذا ينطبق أيضا على مجال العمل.. فالموظف مطالب بتنفيذ مايطلب منه دون نقاش ... وهكذا ينتقل الشخص من مؤسسة قمعيِّة إلى مؤسسة أكثر قمعا وتشددا في مسائل الفكر وإبداء الرأي ....
هي مؤسسات " نفِّذ فقط ولاتسأل" ..أي إياك وأن تُعمل الذهن في التخطيط والتدبير وإيجاد الحلول ... كن فقط الشخص النَّمطي الذي يريدونه وإلا كان التأديب والفصل والطرد من نصيبك .
ثم الحوار المفقود في بيئتنا... وما الحوار إلا وسيلة التواصل الأرقى بين البشر ... والطريقة الوحيدة لاستخراج الأفكار من مكامنها وفحصها وإعادة ترتيبها .....
الحوار غائب في عملية التواصل فيمابيننا ... التواصل داخل الأسر يكون بين الآباء والأبناء بالأوامر والمطالبة بالطاعة العمياء .. وبين الأزواج بالشجار وارتفاع الأصوات .... وبين الأقرباءبعدم المواجهة وتفضيل الغيبة والنميمة على الحوار الصريح ....
والحوار مع الآخرين يكون إما بقبول رأي من علينا مهابته واحترامه مهما كان خاطئاٌأو لاقيمة له .... أو برفض رأي من لاسلطة له علينا ... وتسفيه الرأي المخالف ... ومن هنا تنشأ الخلافات والمشاجرات ...
أخبار الحوادث في صحفنا تفيدنا بأنّ معظم المشاجرات العنيفة والجرائم الشنيعة تأتي بسبب اختلافات الرأي .... أما أن يكون هناك حوار هاديء يقنع فيه أحد الأطراف الطرف الآخر برأيه أو يتفق معه ، أويتقبُّل مايقوله ولكن دون الإقتناع التام به ...هذا مالانجده عندنا ..
وممانلاحظه في مجتمعنا عدم احترام الشخص المفكِّر إن وجد بيننا ؛ فنحن نخاف من فكرالمفكِّر ..لذانعمل على ترويضه وتشذيبه وإعادته إلى حظيرة "اللامفكرين " وإلا كان نصيبه منا الإيذاء والتشهير ..بل واستخدام سلاح الدين ضده ... مع أن ديننا الحنيف يأمرنا بالتفكُّر والتدبَّر وإعمال العقل :(أفلا يعقلون ) ..(أفلا تذكرون ) ...وهكذا ...
ولاننسى أن نذكر أنَّ احترام العلماء والمفكرين مفقود في ثقافتنا وفي وعينا الجمعي ..
من يفِّكر هو أقرب للكفر منه إلى الإيمان في نظرنا ... هذا هو مبلغ علمنا ... وكأننا نعيد ترتيب حروف كلمة "التفكير" لتصبح "التكفير"....!..
حالياًّ نرى أن أصحاب الفكر والثقافة يعيشون في عزلة واغتراب عن المجتمع .. بينما تمتليء الشاشات وصدارات الصحف بصور وأخبار لاعبي كرة القدم ونجوم التمثيل والمغنى والمهرِّجين وكل من لاعلاقة له بفكرأو ثقافة ..
أما عملية منع الكتاب الذي يحمل فكرا وثقافة من تخطِّى حدود بلادنا لفترة ، فقد حرمتنا لوقت طويل من مصادر الثقافة الهامة للفكر ، وساهمت بالتالي في تسطيح الفكر وملأ الذهن بالخرافات وما لافائدة له من معلومات ...
ومن المعلوم أن التفكير يرتبط بالذكاء وبالمعرفة ... من لامعرفة لديه يفتقد القدرة على التفكير المنطقي ... ومهما كان الذكاء فطريا يبقى ناقصاٌ بدون تفكير سليم ومعرفة كافية ...
هكذا ولكل الأسباب السابقة وغيرها فقدنا القدرة على التفكير ... وضاعت منا مهاراته ووسائله .. ولندرة التفكير صار الشخص الذي يستخدم عقله يُعتبر إنسانا شقياً مبتلى بداء الفكر المخيف ...!
وليس مستغربا أن نسمع بين حينٍ وآخر عبارات كهذه : ( لاتتعب نفسك بالتفكير ) .. ( ولاتوجع رأسك ) ... التفكير في نظرنا مرتبطٌ بالشقاءوالمعاناة ووجع الرأس ...!!

وبعد ذلك كيف لنا أن نعجب لندرة المفكرين في بلادنا ؟....



هل الرواية وجه الوطن ؟

..
بالنسبة للقول بأن الرواية السعودية هي " وجه الوطن العربي " ... أعترف بأنني أجهل من هو آدم علي .. ولاأعرف السبب الذي دفعه لقول هذا الرأي .... إن كان القصد أن روايتنا أصبحت منتشرة ومشهورة في أنحاء العالم العربي ... فالإنتشار لايعني الجودة بالضرورة ..... فكل ماهو غريب أو مختلف أو ناتئ يظهر في الصورة .... كماأنَّ النغمة النشاز تكون هي أول مايصل إلى السمع بحدة لافتة .. وهذا لايعني أنها مرغوبة أو مفضَّلة لدى السامع .
روايتنا اشتهرت في العالم العربي بسبب ماتحتويه من إثارة وفضح لأسرار مجتمع كان مجهولا ومنغلقا قبل أن يعمل كتابنا وكاتبتنا على هتك أسراره وفضح خفاياه حسب مايقولون ....
أصبحت هناك فكرة عامة عنا في العالم العربي وهي أننا متخصصون في أدب الفضائح ..!
... أي أنه أصبح يشار إلى رواياتنا حين يكون الحديث عن الأدب الفضائحي ... روائي أردني إسمه الياس فركوخ ُسئل مرةعن سبب انتشار الرواية السعودية .. فقال :أن ذلك بسبب تلهف الناس على معرفة العلاقات السرِّية داخل المجتمعات ... وخاصة المغلقة منها ..
ونفى أن يكون مانسب إلى رواية أخيرة له من فضائحية مشابه للفضائحية الموجودة في الرواية السعودية ...... أو أنها رغبة في الإشتهار والرواج كما يفعل أولئك .!....
هنا أيضا كاتب مغربي قال أن معالجته لموضوع الجسد في روايته ليس مشابها لما تنضح به الروايات السعودية من فضائحية .... وإنما يأتي ذلك بشكل متناسب مع ماتطرحه فكرة الرواية ..!

مثل هذا الكلام يدل على أنه أصبح يُضرب بنا المثل حين يأتي الحديث عن أدب الفضائح ... أو أدب " قلة الأدب "....

هذا لايشرِّفنا طبعا ولايمنحنا امتيازا إعلامياً ولاعلاقة له بجودة المنجز الأدبي المحلِّي ..

ولا توجد أي علاقة لإعلامنا ونشاطنا وتميزنا عن غيرنا بموضوع بهذا الإنتشار الكبير الذي حضينا به مؤخرا في العالم العربي في ميدان الرواية .... هذا ماأقصده ...
بالنسبة لسؤالك حول الأصالة والريادة والتأصيل .. أجد أنَّه لاأحد يستطيع أن ينكر أن الجزيرة العربية هي منبع الأدب والشعر الأصيل ... منها انطلقت الخيول بفرسانها تحمل الرسالة السماويَّة الخالدة ، ومعها تراثٌ عريق ونقيٌّ تحمله لغة قوية انتشرت فكوَّنت أمة عربيَّة واحدة تمازجت آدابها ولغاتها وتاريخها في بوتقة واحدة ونشأ عن ذلك مانراه اليوم في عالمنا العربي الشاسع من آداب مختلفة ومتنوعة .. وإن انضوت تحت لواء واحد .
الشعر ديوان العرب كما يقال ... ولكن الشعر في الزمن الجاهلي وماتلاه من عصور خلع عنه العباءة البدوية وارتدى أزياء أخرى بحكم الإختلاط والتزاوج مع الثقافات الأخرى القريبة والبعيدة فكانت الموشحات برقَّتها وعذوبتها ..وكانت قصائد المناطق الأخرى بمافيها من تنوعٍ ونكهاتٍ وألوان متباينة ... حتى وصلنا إلى قصيدة التفعيلة التي سهلت للشاعر درب الشعر العسير .. وقصيدة النثر باستخفافها بكل التقاليد الشعرية القديمة والعروض والأوزان ...
هذا كله لم يقلل من قيمة القصيدة العربية الأصيلة ..ولم يقلل من قيمة أدب الجزيرة ولا من قدر الرواد الأوائل ..
التراث الأصيل بحاجة إلى الإستفادة من آداب الآخرين وعلومهم .. وهذا ماكان
أما أنَّ الإعلام العربي تجاهلنا كثيرا ،وتجاهل أدب الجزيرة العربيَّة فيما احتفى بكل مالايمتُّ " للأدب " بصلة ... فهذا الأمر ليس غريبا عليهم ... هناك داءٌ إسمه "المحليَّة المفرطة" في بعض بلداننا العربيَّة ...

ولكن لندع إعلامهم ونتساءل هل يحتفي إعلامنا نحن حالياً بالأدباء والمثقفين في بلادنا كما يحتفي بأهل الرياضة والتابعين لهم ...!.. وكما يفسح المكان بسخاء لممنتجي ومخرجي المسلسلات وأهل المغنى .. ولجلسات الطرب ووصلات التهريج .. ؟...

ثمَّ هل ذلك الإعلام المحسوب علينا إسماً والذي يتخطى حدود المحليَّة يجعل لمثقفينا ومبدعينا نصيب فيما يعرضه ويقدِّمه.. أم أنه يتعمد الإهتمام بما هو غريب عنا وبعيد عن بيئتنا وثقافتنا وأخلاقياتنا ....؟
كان بوسع هذا الإعلام الذي انشأته أموالنا أن يقوم بالدور الذي لم يقم به غيره .. ولكنه آثر أن يحذو حذو أولئك في تجاهل الداخل من ناحية ، وفي الإحتفاء بكل ماليس له علاقة بالثقافة وأهلها من ناحية أخرى

الفرق بين الرواية المحليَّة والرواية الأجنبية

المقارنة بين الرواية العالمية والرواية المحلية فيه ظلم شديد لروائيينا ... ففي الغرب حيث نشأت الرواية وترعرعت توجدمجتمعات منفتحة تساعد على نشوء الرواية واستلهام أحداثها من الواقع المشاهد والمألوف.


أهم مايميز الرواية عند الآخرين هو أن كتَّابهم يضعون الشيء الكثير من ذواتهم بداخل رواياتهم .. كما أنهم يستندون في القصِّ على وصف العالم الواقعي كما هو مع زخرفته بشيء من الخيال ليبدو أكثر جمالا ..

بينما نحن نعتمد على الحشو في رواياتنا باستخدام خيالات الكاتب وتصوراته لمايمكن أن يدور في المجتمع من أحداث وأفعال ... مع نثر بعض المثيرات والمشهِّيات على روايته لضمان الرواج وتحقيق المكاسب ولإخفاء الضعف الفني ...!
هم يضمِّخون رواياتهم بعطر تجاربهم وبما يختزنونه بدواخلهم من ملاحظات حياتية متعددة ..
ونحن نكتفي بحكايات منمَّقة وغيرصادقة ولاتتماس مع ذواتنا الحقيقية .. ولامع واقعنا المعاش .. مع إضافة "التحبيشات "اللازمة ..
هم هناك يعتنون كثيرا بجميع التفاصيل الدقيقة .. ويهتمون بالعمق الإنساني بشكل كبير ..
بينما نحن ـ أي كتَّابناـ نكتفي بسرد أحداثٍ ومشاهد متناثرة بشكلٍ سطحي مباشر دون الإهتمام بالجوانب الإنسانيَّة في الشخصية فيمايتعلَّق بتحليل المشاعر وإبراز دوافع النفس البشرية مما يجعل هذه الشخصية الروائية تبدو هزيلة وخالية من الحيويَّة ومُسخَّرة فقط لتحقيق فكرة الكاتب من كتابة الرواية ....
الروائي هناك يعمل من أجل خلق عالمٍ على الورق محاكٍ وموازٍ للعالم الواقعي يحوله بمهارته إلى عالمٍ من الرؤى والفلسفات والأصوات الداخلية ،التي تتناغم فيما بينها وتعبِّر في نفس الوقت عن العلاقات الإجتماعية القائمة، كما تجسِّد رؤيةً خاصَّة بالكاتب ، وتتعاطي مع لحظات الحياة بكل نبضها وحيويتها وتدفِّقها المستمر ..وهو بإمكانياته الفنيَّة واطلاعاته يوظِّف العالم المختلق في روايته للإستجابة إلى المعارف والعلوم التي لها علاقة بالفلسفة والتاريخ وعلم النفس وغير ذلك من علومٍ ممايجعل من الرواية فناًّ شاملاً يسمى اليوم "بسيِّد الفنون الأدبيَّة " .
أما مايفعله الروائي هنا عندنا فلايزيد عن تركيب " توليفات " من أحداث متضاربة.. تحدث في أماكن غير محدَّدة .. وفي أزمنة مضطربة .. لاانتظام لها في تتابعها أحيانا ولامبررات لتطوراتها وتحولاتها ، خاصة فيما يتعلق بالشخصية الروائية ودورها في الأحداث المختلفة .
الرواية المحليّة يمكن اعتبارها روايات مارقة متمردة تتحدى المجتمع ، وتشي بذوات مأزومة ومتوترة لاتملك من وسيلة إلا الصراخ كتابياً، وخلْخلة المجتمع بكتاباتٍ فاضحة صادمة تحثُّ على إحداثِ تغيير عاجل ...!
هناك روايات قوية أسلوباً ولغةً وفكرةً وتخطيطاً وبناءً وسردا...
وهنا روايات ضعيفة فنيًا ولغوياً .. وقاصرة من ناحية البناء الروائي والتقنيات السردية .. وحركةالشخوص وتنامي الأحداث .....
المشكلة الأساسيَّة هي أنَّ كتاب الرواية عندنا يريدون أن يكتبوا ، ولكنهم لايتعبون أنفسهم بالإطلاع على آداب الأمم الآخرى ، وقراءة الأعمال الروائية الكبرى ، ولايستفيدون من خبرات من سبقوهم على الدرب في هذا المجال .

هل شوهت الرواية سمعة المجتمع ؟

من كتبواالروايات التي يقال انها شوَّهت سمعة المجتمع السعودي كانوا يسعون بشكل خاص إلى الترويج لكتاباتهم ونيل الشهرة بفضح المستور في مجتمع منغلق على ذاته ؛ حيث أنه بعد ظهور أول رواية سعودية تناقش مسألة العلاقات العاطفية بين الجنسين في مجتمعنا بصراحة ووضوح ،وماحضيت به تلك الرواية من شهرةٍ وحفاوة في الداخل والخارج هذا الأمر شجَّع الكثيرين على إنتاج روايات على نفس النهج ،وبشكل أكثر مبالغة وتهويلا .. إذ أن ازدياد نسبة "البهارات الفضائحية" في الرواية السعوديَّة يزيد من مقدارالضجة حولها، وبالتالي ترتفع نسبة المبيعات واشتهار إسم مؤلفها أو مؤلفتها ....
......
في رأيي أنَّ هذا الإندفاع الكبير على إصدار روايات من النوع الفضائحي لايزيد عن كونه فقاعات زائلة .. وربما تساهم هذه النزوة الروائية في فتح الطريق لروائيين أكثر نضجا ومعرفة بمتطلبات الرواية الحديثة وشروطها وماتحدثه من تأثيرات في المجتمع .
أما أن تكون هذه الروايات قد شوِّهت سمعة المجتمع السعودي ... فليس ذلك بالضرورة ؛ إذ أنَّ لكل مجتمع عيوبه ومساوئه ... وليس هناك من مجتمع في العالم يخلو من الفساد بشكل كامل .....
الكاتب هوابن مجتمعه ، وهو من خلال تجاربه وملاحظاته يختزن الكثير بداخله ويعبِّر عنه بالشكل الذي يتناسب وقدراته وعمق نظرته .. ولكن التركيز على الجانب السيء من المجمتع دون غيره ، ونبش ماخفي عن الأنظار بتعمد واضح كما حدث لدينا مؤخرا لابدَّ أن تكون له أسبابه .

ما يبدو واضحا أنه إضافةً إلى الرغبة في الظهور والإنتشار، فإنَّ هناك أغراضا خفية وراء ذلك ؛ حيث (الصراخ وشهوة الفضح ) كما دعاها أحد النقاد.. تأتي هنا لا بقصد تسليط الضوء على خفايا وأسرار المجتمع ، ولا بغرض اكتشاف الأخطاء والعيوب من أجل التصحيح والإصلاح ، كما أنها لم تأت بقصد التشويه المحْض .. وإنما هي رغبة محمومة في التصادم مع المجتمع والتمرد على الأوضاع الصارمة السائدة فيه ..

هي باختصار طريقة ساذجة للتحدِّي وإبداءالتذمر .. يمكن القول أن الكتابة الروائية استعملت كوسيلة لإرسال رسالة خاصة إلى من يتولون الرقابة على المجتمع وحراسته من الوقوع في الرذيلة فحواها أنَّ مجتمعنا ليس هو المجتمع الفاضل الطُّهوري الذي تصوِّروه لنا .

ويمكننا فهم ذلك بمعرفة أنَّ هؤلاء الروائيين الجدد هم من جيل الشباب المتمرِّد .. جيل مابعد الطَّفرة الإقتصادية .. شبابٌ لا تجارب كافية لديهم .. يعوزهم الكثير من الأدوات الفنية الروائية ، بالإضافة إلى ضحالة ثقافتهم بشكل عام، وقلة وعيهم بهموم المجتمع وقضاياه الحقيقيَّة.
.
.



شمس المؤيد - ذات حوار

أرشيف المدونة الإلكترونية